تظاهرة “الخروج إلى المسرح”: مسرحية “الهروب من التوبة” .. حين يهرب الإنسان من حقيقته بحثا عن الخلاص

يعيش الإنسان العديد من الصراعات الداخلية المبنية في مجملها على ثنائيات كثنائية الحياة والموت .. الطاعة والعصيان..  الحلال والحرام  .. الروح والجسد  وفي رحلته هذه يبحث عن سلامه الداخلي و الخلاص أو ما يعبّر عنه بالتوبة فإن وصل إلي التوبة ينتهي صراعه، وقد يدخل في صراع آخر من أجل الثبات في التوبة … والهروب الى التوبة قد يكلفنا العديد من التضحيات أهمها التكفير عن كل الذنوب والسيئات  فهل نستطيع دفع هذا الثمن ؟ أم نهرب من التوبة ؟

 

هذا ما حاول الكاتب العراقي فلاح شاكر والمخرج عبد الواحد مبروك الوصول إليه والإجابة عنه من خلال مسرحية “الهروب من التوبة” إنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بتوزر وأداء الثلاثي عبد الواحد مبروك وبلقيس جوادي وحليمة عيساوي، تم تقديم المسرحية مساء الخميس 21 سبتمبر 2023 بقاعة الجهات بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي ضمن فعاليات الدورة الرابعة لتظاهرة “الخروج الى المسرح”.

مسرحية مكتوبة باللغة العربية الفصحى، مزجت بين جمالية النص والشعر والموسيقى الصوفية التي استلهمها رياض البدوي من الإيقاعات الشعبية في زوايا الأولياء الصالحين، عمل حمل المشاهد في قرابة ساعة ونصف الى مناخات روحانية طرحت خلالها أسئلة وجودية حول الجسد والحب وعلاقة الانسان بالله وحقيقته التي يحاول الهروب منها وإخفائها.

“الهروب من التوبة” تحكي قصة أستاذ جامعي يدعى يوسف وزوجته دكتورة في علوم الإحصاء تدعى وحيدة  يتبنّيان طفلةً من الملجأ، تكبر الطفلة «ليلى» في مساحة الفراغ بين الزوجين ومع رتابة الحياة الزوجية وتشابهها، أثناء انشغال الزوجة ببحوثها الجامعية، تملأ الفتاة القادمة من الملجأ هذا الفراغ، لتنطلق حكاية عشق محرمة تكتشفها الزوجة  ويبدأ صراع بين المرأتين وتبادل الاتهامات.

في الأثناء  يغرق الزوج يوسف في رحلة البحث عن الخلاص والتوبة من إثم الجسد والخيانة من أجل التطهّر من ذنوبه.

هم  ثلاثة شخصيات تعاني من قلق نفسي ووجودي تحت وطأة الشعور بالذنب الأزلي أتيحت لهم الفرصة ليعيشوا دوامة وجع الضمير والبحث عن الخلاص وربما الاتجاه إلى المخلّص أحد أكثر الأساليب شيوعا ؟ لكن هل من الممكن الخلاص دون خسارات موجعة؟

في هذا العمل المسرحي قدّم عبد الواحد مبروك مجموعة من اللوحات، كل لوحة تحمل عنوانا وتاريخا وزمانا وترك للمشاهد مهمة بناء الأحداث أو ربما إعادة بنائها حيث انطلق من “الآن” وعاد بالأحداث في تسلسل زمني تحدد الأفعال والأحداث التي عاشتها الشخصيات، كما اعتمد على فر اغ الفضاء وترك للشخصيات مهمة تحديده منزل أو خلوة أو ملجأ أو شارع، في هذا الفضاء تحضر الاضاءة والموسيقي كلغة دراماتورجية تهدف الى تعميق المشهد وصقل دلالاته.

 

تنتهي المسرحية بمشهد يجمع يوسف وليلى ووحيدة في لحظة مصارحة ومواجهة للحقيقة، من منهم يحتاج الى التوبة؟ وهل ستجد التوبة طريقا اليهم أمام قذارة ما تكدس في أرواحهم ؟ من منهم المذنب ؟ هل هي ليلى الفتاة “اللقيطة” التي عاشت بالملجأ وتعرضت للاغتصاب في أكثر من مناسبة وتحولت الى بائعة هوى ؟ أم هي وحيدة الزوجة المهملة التي تعرضت الى الاغتصاب في سنّ الثامنة وتحاول رغم مستواها العلمي صنع ضحايا جدد؟ أم هو يوسف الهارب من حقيقته والباحث عن التوبة والخلاص رغم بشاعة أفعاله ؟ أم هو الطفل الرضيع “اللقيط ” ثمرة الخطيئة ؟

Related posts

تتويج جديد للتلفزة التونسية في مسابقة جوائز الإعلام بتنظيم الاتحاد الإفريقي للإذاعات

قبل الأولى

الليلة: عرض ضوئي لجامع الزيتونة المعمور

تدشين ساحة باسم الفنانة الراحلة نعمة في البحيرة

root