تشهد تونس هذه الأيام موجة حرّ شديدة من المنتظر أن تتواصل طيلة الأيام القادمة، حيث سجل المعهد الوطني للرصد الجوي درجات حرارة تجاوزت المعدلات السنوية العادية بأكثر من 10 درجات، وقد سدلت ولاية القيروان درجات حرارة جعلتها من ضمن المدن الأكثر حرا في العالم مسجلة 48.4 درجة وسجلت ولاية توزر جنوبي تونس، الأحد قبل الماضي، درجة حرارة وصلت في الظل إلى 48.9 درجة، وفي الشمس 57.3، حسب الأرقام الرسمية للمعهد الوطني للرصد الجوي جعلت منها ثاني مدينة الاعلى حرارة في العالم وتأتي موجة الحر بعد سنة اتسمت بجفاف ونقص في هطول الأمطار خلال أشهر الشتاء، تجاوزت فيها نسبة النقص 80% ليمثل شهر مارس الماضي ثاني أكثر شهور مارس جفافا في البلاد التونسية منذ سنة 1970.
في هذ الشأن يقول بعض الخبراء إن تسجيل أرقام مرتفعة لدرجات الحرارة لا يقتصر على تونس فحسب بل إنه يحدث في العالم أجمع وذلك مرتبط أساسًا بالتغيرات المناخية، المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة بمستويات غير منطقية، وارتفاع مستوى البحر، وتغيّر توزيع الأمطار.
ويشير الخبراء إلى أن الأنشطة البشرية من مصانع ووسائل نقل والمحركات والاستعمال المفرط لمنتجات النفط من محروقات وغاز، كل ذلك يساهم في الترفيع من نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون والميثان وغازات أخرى في الجو، على مستوى غلاف الانحباس الحراري.
وقد كشفت مصادر من الرصد الجوي يوم الجمعة الماضي أن موجة الحرّ التي تعرفها تونس منذ أيام وبلغت ذروتها نهاية الأسبوع الماضي وأوائل هذا الأسبوع هي موجة غير عادية وس تبدأ في التراجع شيئا فشيئا، لتستقر عند المعدّلات العادية في مثل هذه الفترة من السنة مع اقتراب هذا الشهر من نهايته.
هذه الحرارة العالية جدا تشير الى أن تونس اليوم تعيش ظاهرة مناخية غريبة تسجل فيها لأول مرة، وهي المعروفة لدى خبراء المناخ بتكوّن “قبّة حرارية” في أجوائها الأمر الذي جعل الأجواء حارة جدّا، وساهم في وصول درجات الحرارة إلى معدّلات قياسية لم تعرفها البلاد منذ سنوات… وتشير ذات المصادر إلى أن القبة الحرارية، تعريفها العلمي هو ارتفاع درجات الحرارة اثر وصول كتل هوائية صحراوية تزامنا مع تمركز مرتفع للضغط الجوي، مما يؤدي إلى حبس الهواء الساخن في ظاهرة جوية معروفة ويطلق عليها خبراء الرصد الجوي اسم “القبة الحرارية”.
من جهتها أكدت رئيسة مركز العمليات الصحية الاستراتجية بوزارة الصّحة الدكتورة هندة الشابي أن المركز في اتصال دائم بمعهد الرصد الجوي للإطلاع على معدلات درجات الحرارة خلال هذه الفترة، مشيرة الى أن تونس تمر بموجة حر غير عادية بعد أن تجاوزت الحرارة المعدلات العادية.
وشددت الدكتورة على ضرورة الحذر من خلال إيلاء أهمية كبرى لكبار السن وللأطفال والحرص على شرب كميات هامة من الماء، وخاصة الوقاية في حال مغادرة المنزل وتنجب الخروج والتعرض لأشعة الشمس أوقات الذروة مع استعمال القبعات..
من جهته أكد كاهية مدير الرعاية الصحية الاساسية بالادارة الجهوية للصحة علي الطبال ان مختلف الولايات تشهد خلال هذه الايام موجة من الحرارة تتطلب اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، لتجنب التاثيرات السلبية للتعرض المطول لاشعة الشمس.
واكد الطبال ان موجة الحرارة التي تشهدها البلاد خلال هذه الايام، والتي تجاوزت المعدلات العادية باغلب الولايات، تقتضي التوقي من اشعة الشمس، وبين ان الاجراءات المنصوح بها لفائدة المتساكنين وخاصة منهم المسنين والاطفال والرضع والنساء الحوامل اضافة للفلاحين، الذين يضطرون للقيام ببعض الاعمال للمحافظة على جودة صابة التمور خلال هذه الفترة، تتضمن بعض التدابير الوقائية داخل المنزل واخرى خارجها، مؤكد الحرص على الاكثار من شرب الماء بمعدل لا يقل عن لتر ونصف لكل فرد يوميا، مع التاكد من تمكين المسنين من هذه الكمية دوريا.
ودعا الطبال الفلاحين المضطرين للعمل بالواحات خلال هذه الفترة الى الاغتسال المتواصل بالمياه، مع تجنب الوقوف في اشعة الشمس لفترات طويلة.
كما دعا المصطافين الى تجنب السباحة بالبحر من العاشرة صباحا الى الرابعة بعد الظهر، مع استعمال المراهم التي تحمي من اشعة الشمس مشيرا الى ضرورة تفقد المسنين الذين يعيشون بمفردهم ببعض الاحياء السكنية من قبل جيرانهم ومتساكني هذه الاحياء، يوميا، للتأكد من سلامتهم وتمكينهم من شرب الماء بالكميات الكافية.
نصائح طبية
يؤدي التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة أو القيام بجهد كبير في الجو الحار إلى الإصابة بضربة الحرارة التي تعرف بـ (ضربة الشمس) وهو ما يتطلب علاجا سريعا لخطورة مضاعفاتها التي تصل إلى الوفاة أحياناً وفق تأكيد بعض الأطباء.
وينصح الأطباء الأشخاص من مختلف الفئات العمرية بعدم الخروج من المنزل حالياً مع وجود موجة حر شديدة في أوقات الذروة من الساعة الـ 12 ظهراً إلى غاية الساعة الخامسة عصراً إلا للضرورة لتجنب الإصابة بضربة الشمس والتي تتمثل أعراضها في ارتفاع درجة حرارة الجسم وفقدان الوعي أو اضطراب في الكلام والشعور بالدوار والقيء واحمرار في الجلد والصداع وتسارع في ضربات القلب..
ويؤكد الأطباء هنا على ضرورة إبعاد الشخص المصاب بضربة الشمس إلى داخل المنزل أو إلى أي مكان فيه ظل وجيد التهوية وإزالة الملابس الضيقة عنه وتبريد جسمه عبر كمادات ماء بارد على الرقبة وتحت الإبطين أو رشه بالماء ووضعه بحوض ماء واعطائه السوائل.
كما يشير الاطباء إلى أهمية زيادة الوعي بمخاطر ضربة الشمس وارتداء الألبسة القطنية ذات الألوان الفاتحة وقبعة واسعة الحواف والنظارات الشمسية وشرب الماء بكميات كافية وتجنب المشروبات التي تحتوي على نسب عالية من المنبهات واستخدام كريمات واقية من أشعة الشمس لحماية الجلد وعدم السفر خلال وقت الذروة لأشعة الشمس أو عدم ترك شخص بالسيارة وخاصة الأطفال والابتعاد عن أماكن الازدحام في الحدائق والملاهي والمطاعم.
تأثير موجة الحر على الخضروات والغلال ووزارة الفلاحة تقدم بعض النصائح
ونظرا لارتفاع درجات الحرارة وبلوغها مستويات قصوى هذه الأيام، أوصت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري كافة المربين والمنتجين بأخذ كل الاحتياطات الوقائية الفنية اللازمة للحد من تأثير موجة الحر على الدواجن، والخضروات والغلال.
فبالنسبة للدواجن دعت الوزارة المربين الى ضرورة المراقبة المستمرة للمداجن وضمان تشغيل كل التجهيزات وتوفير المياه للقطعان بالقدر الكافي والتحكم في تهوئة فضاءات التربية وتفادي كل ما يسبب توتر الحيوانات وترشيد التغذية بمعنى تقديم العلف في الصباح وفي الليل.
أما في ما يتعلق بالخضروات والغلال دعت وزارة الفلاحة إلى تكثيف عمليات الري حسب الكميات المتوفرة على كل الزراعات والغراسات وخاصة الفتية والحاملة للغلال للحد من تأثير الشهيلي على الأوراق والغلال مع الحرص على القيام بهذه العملية في الصباح الباكر أو في المساء إضافة الى حراثة المستغلات الفلاحيّة وإزالة الأعشاب الطفيلية خاصّة من الجوانب للحد من اندلاع الحرائق.