تولّى رئيس الدّيوان السيد لسعد سعيّد اليوم الأربعاء 08 فيفري 2023 بالحمامات تأبين المخرج الكبير عبد اللطيف بن عمّار الذي وافاه الأجل المحتوم يوم الاثنين 06 فيفري 2023، وذلك بحضور عدد من أفراد عائلة الفقيد وثلة من السينمائيين والفاعلين في الحقل الثقافي.
بقلوب ملؤها الأسى والحزن العميق تودع تونس فارسا من فرسان الثقافة الوطنية وعلما من أعلام السينما التونسية انه المخرج السينمائي الكبير عبد اللطيف بن عمار أحد منارات السينما وأحد العلامات المضيئة في تاريخ السينما التونسية والعربية وسيكتب التاريخ اسمه بأحرف من ذهب نتيجة مسيرة طويلة وعريضة ابتدأت منذ سنة 1965 حيث التحق صحبة ثلة من الوجوه السينمائية المعروفة مثل ابراهيم باباي رحمه الله وحاتم بن ميلاد أطال الله في عمره ومتعه بالصحة ومن قبلهم حمودة بن حليمة رحمه الله. التحقوا بالمعهد العالي للدراسات السينمائية المسمى ب (الايداك) بفرنسا وهي أعلى مدرسة في أوروبا للتكوين السينمائي فكان هؤلاء الفرسان الأربعة الذين أوفدتهم دولة الاستقلال الفتية لبلورة سياسة سينمائية وطنية ونجحت المهمة وعادوا لتصوير وتوثيق ملحمة بناء الدولة التونسية.
لقد اضطلع الفقيد بمهمة وطنية تأسيسية ساهمت في بناء دولة الاستقلال الفتية بتصويره صحبة أصدقائه كل تونس وأحداثها السياسية التي كانت تعرض في جميع القرى على الجدران وفي قاعات السينما قبل عرض أي فيلم أجنبي قصد توعية المواطن التونسي بما يحدث من بناء وتشييد لدولته الفتية فكان من بناة دولة الاستقلال لذلك لا تنطبق عليه صفة المبدع فقط بل هو المناضل الوطني الذي آمن بالثقافة وسيلة للبناء وترسيخ الهوية الوطنية والاعتزاز بالشخصية التونسية.
كما أن الفقيد اضطلع بمهمة مساعدة المخرج العالمي “روبارتو روسيليني” عند تصويره فيلمه عن المسيح عليه السلام بتونس
لم تقف تجارب الفقيد عند الأفلام التوثيقية من خلال المجلة السينمائية التونسية التي صورت تحركات الزعيم الحبيب بورقيبة بل كان أول مخرج تونسي وبقي الوحيد إلى يوم الناس هذا الذي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان (كان) الدولي سنة 1970 بفيلمه الروائي الطويل الأول (حكاية بسيطة جدا) حيث أنتجته مؤسسة “الساتبيك” وشركة اسبانية تكفلت بالتحميض لكونه أول فيلم تونسي بالألوان.
وأنتج الفقيد فيلمه الرائع سجنان سنة 1972 ليصور فيه ملحمة الشعب التونسي مبرزا نضالات الاتحاد العام التونسي للشغل الذي ساهم بشكل لافت في استقلال البلاد وركز على الوضعية المأساوية للمرأة التونسية وكأنه يعيد صوت الطاهر الحداد الذي أخمدوه في ثلاثينات القرن العشرين
ولم تقف مسيرة الرجل عند هذا الحد بل كان له لقاء مع الأشقاء الجزائريين شركاء النضال والتحرر الوطني لينتج فيلمه الخالد في ذاكرة السينما المغاربية بالاشتراك مع التلفزيون الجزائري: عزيزة
وبعد توقف دام ما يزيد عن العقدين من الزمان أخرج فيلم الروائي الطويل: نغم الناعورة سنة 2002
وتوج مسيرته بفيلمه (النخيل الجريح) الذي أعاد فيه النظر حول معركة بنزرت الخالدة وكان إنتاجا مشتركا مع الجزائر الشقيقة
مسيرة كبيرة ’ مليئة بحب تونس والإيمان بحرية المرأة والعشق اللامحدود لقراءة تاريخ تونس المعاصر بأعين السينمائي وكيف يمكن للفن أن يضطلع بوظيفة تأريخية ليصور تاريخ بلاده بطريقة شاعرية مفرطة في الجمال والوطنية
لقد خسرت تونس برحيله علامة فارقة وهو عزيز السينما التونسية الذي اختار أن يترجل بعد مسيرة طويلة رحمه الله رحمة واسعة وألهمنا جميعا الصبر والسلوان في فقده وإنا لنأمل بأن تواصل الأجيال الجديدة حمل المشعل ومواصلة المسيرة حتى تكون السينما التونسية في مستوى آمال فقيدنا العزيز.