“تجليات الحلفاوين” تختتم دورتها الثالثة بعرض صوفي لفرقة “حزب المهدية”

أسدل الستار في سهرة الثلاثاء 18 مارس ببطحاء الحلفاوين في مدينة تونس العتيقة، على فعاليات الدورة الثالثة من التظاهرة الرمضانية “تجليات الحلفاوين” التي أصبحت موعدا سنويا ينتظره عشاق السمر في شهر رمضان المعظم.

وجاء مسك الختام مع عرض استثنائي أحيته فرقة “حزب المهدية” بقيادة فاضل السقا، حيث تحوّل فضاء بطحاء الحلفاوين إلى ساحة من الذكر والوجد والإنشاد، وسط حضور جماهيري غفير من مختلف الفئات والأعمار أقبل ليستمتع بموسيقى روحانية متجذرة في الموروث الصوفي التونسي. وبينما اختار البعض الجلوس في المقاعد الأمامية، فضّل آخرون متابعة العرض من مقاهي البطحاء يحتسون الشاي والقهوة ويندمجون مع الإيقاعات الروحانية من خلال المشاركة في ترديد بعض المدائح والأذكار.

انطلقت السهرة بألعاب بهلوانية وتنشيطية للأطفال في فنون سيرك الشارع، ثم قدمت الفنانة الشابة الملتزمة أماني الرياحي باقة موسيقية من أغاني ألبومها “كيما الريح”. إثر ذلك اعتلت مجموعة الإنشاد الصوفي “حزب المهدية” الركح بأزيائها التقليدية لتردّد باقة من المدائح العيساوية التقليدية، حيث استمع الجمهور إلى أشهر النوبات الصوفية مثل “نوبة الموزين” و”نوبة بن عيسى الغربي” التي تشيّد بذكر سيدي محمد بن عيسى مؤسس الطريقة العيساوية و”نوبة أخمر يا خمار” و”نوبة رصد الذيل”. كما أدت الفرقة المديحة الشهيرة “عالي لقدار” التي تُعتبر بصمة خاصة بـ “حزب المهدية”، حيث أُعيد توزيعها بمقامات موسيقية مختلفة أخذت الجمهور في رحلة روحانية تنبض بالوجد والتصوف.

 

التخميرة ذروة الطقس الروحي

وكما هو الحال في معظم السهرات الصوفية، بلغ العرض ذروته عند الوصول إلى “التخميرة”، وهي الحالة التي يدخل فيها الذاكرون في وجد روحي متصاعد مدفوعين بتسارع الإيقاع وارتفاع حدة الإنشاد إلى حدّ الانتشاء. ومع ازدياد إيقاعات الزكرة والبندير، تمايل بعض الحاضرين في حلقات ذكر وانغمسوا في التجربة الروحانية مغمضين أعينهم ومرددين الأذكار بخشوع حتى بدا المشهد وكأنه لوحة صوفية متكاملة.

وحرصت فرقة “حزب المهدية” على تقديم لمسة تجديد دون المساس بالهوية الصوفية الأصلية، حيث تم إدخال آلات موسيقية جديدة مثل الكمنجة والأورغ، وهو ما أضاف بعدا موسيقيا معاصرا خاصة في المقاطع التي تتطلب نغمات أكثر انسيابية مثل الابتهالات، فمنحت الأداء نغمة أكثر عمقا دون الإضرار بجوهر الموسيقى العيساوية.

ولم تكتفِ الفرق  بالإنشاد أو العزف فقط، بل إن ما ميّزها في هذا العرض هو إدماج كل عازف منها ببراعة وإتقان بين الأداء الحركي والرقص الدائري المعروف في التقاليد الصوفية وضرب الإيقاعات على الدربوكة والبندير مع ترديد الأذكار والمدائح في الوقت ذاته بينما تتراقص الأجساد في حركات دورانية للتعبير عن التحرر الروحي.

وتأسست فرقة حزب المهدية عام 1996 في مدينة المهدية، وهي امتداد للطريقة العيساوية، التي تعود إلى سيدي محمد بن عيسى المدفون في مكناس بالمغرب. يُعرف هذا اللون الصوفي بخصوصيته حيث تتوزع الطرق الصوفية بين عدة مدارس مثل العيساوية والسلامية والقادرية، ولكل منها أذكارها وإيقاعاتها المميزة. لكن “حزب المهدية” طوّر أسلوبا فريدا يميّزه عن بقية الفرق الصوفية في تونس، حيث كسر التقسيم التقليدي بين العازفين والمنشدين والراقصين، ليصبح كل عضو في الفرقة جزءا من الأداء الديناميكي المتكامل.

 

“تجليات الحلفاوين” ترسيخ للهوية الثقافية

مع إسدال الستار على الدورة الثالثة من “تجليات الحلفاوين” التي نظمها المسرح الوطني التونسي بالتعاون مع جمعية عبد الوهاب بن عياد ومؤسسة “ميكروكراد” على مدى 5 أيام (14 – 18 مارس 2025 )، نجحت هذه التظاهرة في ترسيخ مكانتها كواحدة من أهم الفعاليات الثقافية الرمضانية في مدينة تونس العتيقة من خلال

عروض فنية متنوعة من ضمنها السيرك والمسرح والسينما والموسيقى الصوفية.

Related posts

انطلقت عروضه في تونس: فيلم “رحلة 404” مفارقات فنية بين التراجيديا والكوميديا الصامتة

اختتام مهرجان ” Circuit. Théâtre ” بسليانة

Rim Hamza

الدورة 30 للمصيف الوطني للكتاب بولاية بن عروس من 28 إلى 30 جويلية 2023

root