تعيش مدينة الثقافة الشاذلي القليبي بتونس العاصمة خلال هذا الأسبوع، حدثًا ثقافيًا استثنائيًا ألا وهو مهرجان أيام قرطاج لفنون العرائس في دورته السادسة مواصلا العمل والتطور الدؤوب تحت شعاره القار “ماريونات فن وحياة” .
و سجلت هذه الدورة السادسة من أيام قرطاج لفنون العرائس إقبالًا جماهيريًا منقطع النظير و غير مسبوق، بمعدل ألفي طفل وأوليائهم وشباب ومسرحيين، يوميا، جاؤوا للاطلاع على أبرز العروض العرائسية من العالم، وقد أكد عدد من المسرحيين الذين تابعوا مختلف عروض الدورة السادسة، التطور الكبير الذي يشهده مهرجان أيام قرطاج لفنون العرائس من دورة إلى أخرى، واعتبر عدد من الفنانين من مختلف القطاعات أن أيام قرطاج لفنون العرائس هو المهرجان الحقيقي والوحيد في تونس لخصوصيته من جهة وللإقبال الجماهيري الكبير الذي أصبح تقليدا قارا والجميل في كل هذا هو أن العروض ليست تجارية بل عروض كبرى من العالم هادفة ورسائلها انسانية، فضلا على ان المهرجان يوفر عروض تنشيطية وأخرى عرائسية مجانية للجمهور في قلب مدينة الثقافة الشيء الذي بعث الحياة في هذه المدينة…
هذا الاقبال القياسي، لم يكن مجرد رقمًا إحصائيًا، بل تحول إلى رسالةٍ فنيّةٍ تُؤكد نجاح الهيئة المديرة في برمجة عروض تحترم الجمهور عموما وإدراك الطفل ووعيه على وجه الخصوص، وجدير بالذكر أن هذا الجيل لديه من الوعي ومن الادراك بمتغيرات وتطورات العصر ما يسمح له بالتمييز بين الغث والسمين من المنتوج الفني المقدم له سيما في فن العرائس الذي يعتبر من أقدم فنون الفرجة.
إن أنظار العالم اليوم وخاصة العالم العربي موجهة منذ 4 سنوات تقريبا إلى أكبر منصة عربية وإفريقية وحتى عالمية لفن العرائس وهي أيام قرطاج لفنون العرائس، التي برهنت أن التونسي قادر على النجاح مهما كانت الظروف فبالامكانيات الذاتية للمركز الوطني لفن العرائس، أصبح مهرجان أيام قرطاج لفنون العرائس قبلة العرائسيين من شتى أنحاء العالم ومنارة العرائسيين العرب والمثال الذي يسعى كل بلد عربي له تقاليد في هذا الفن إلى النسج على منواله.
وللتذكير تميزت الدورة الحالية بتنوعٍ لافتٍ في العروض بمشاركة 19 دولة وبرمجة، 33 عرضا اجنبيا وحضور اكثر من 100 عرائسي آخذ نصيبه في هذه الدورة الاستثنائية ، حيث مزجت بين التقنيات الحديثة وفنون العرائس التقليدية.
قدمت الدول للمشاركة عروضٌا تفاعليةٌ تعتمد على سينوغرافيا متطورة وتكنولوجيا حديثة ، وتقنيات مستحدثة في تحريك العروسة من بينها المؤثرات الصوتية ومنها ثلاثية الأبعاد، كما حافظت عروضٌ أخرى على الروح التراثية باستخدام دمى مصنوعة يدويًا من مواد محلية مختلفة، في محاكاةٍ لقصصٍ شعبيةٍ تونسية، عربية وأجنبية إنسانية خلقت فضاء للتبادل الثقافي و التجارب بين البلدان المشاركة.
عبرت السيدة منية عبيد مدير الدورة السادسة من أيام قرطاج لفنون العرائس ومديرة المركز الوطني لفن العرائس: “هدفنا كان كسر الصورة النمطية عن فن العرائس كفنٍ للأطفال فقط، فالعروض المُقدمة للكهول و الشباب ناقشت قضايا معاصرة مثل التغير المناخي، والعلاقات الاجتماعية مما لامس اهتمامات الشباب والكبار على حد السواء، ونحن فخورون ومعتزون بالنجاح الكبير للمهرجان الذي لولا أبناء المركز الوطني لفن العرائس من عرائسيين وحرفيين وإداريين وعملة لما حققنا هذا النجاح الذي نسعى إلى تطويره في السنوات المقبلة لمزيد إشعاع المهرجان دوليا.
وبالمناسبة وجب التأكيد على أن هيئة تنظيم المهرجان قد حرصت هذه السنة على تعزيز البُعد الدولي للمهرجان، من خلال استضافة فرقٍ فنيةٍ من 19 دولة، منها فرنسا، واسبانيا وبولونيا وهولاندا ، والبرازيل، إلى جانب مشاركة عربية واسعة كالإمارات المتحدة و السعودية و سوريا و مصر وكانت الغاية الأساسية التركيز على إبراز المواهب المحلية التونسية وطاقات شباب المركز الوطني لفن العرائس عبر ورش عملٍ مشتركة بين الفنانين التونسيين ونظرائهم الدوليين، نتج عنها ورشات متميزة إضافة إلى تقديم باقة من العروض العالمية الهامة والمتطورة حسب إمكانيات المهرجان، الذي هو حري بأن بكون أكثر مهرجان يحظى بدعم الشركات الخاصة نظرا لما يقدمه من مضامين ونظرا بخاصة للإقبال الجماهيري القياسي والذي يجمع كل الفئات العمرية.
لقد حافظ المهرجان على نجاحه عمت الأجواء الاحتفالية مدينة الثقافة بتونس و عديد الفضاءات الأخرى من بينها باردو و عدة ولايات أخرى ياسمين الحمامات بنابل و المهدية و المنستير في كسر للامركزية الثقافة فالجمهور اليوم يتوق للجودة والابتكار ومهرجان أيام قرطاج لفنون العرائس لم يعد مجرد مهرجانٍ فني سنوي بل تحول إلى ظاهرة ثقافية دولية تُجسد حيوية المشهد الإبداعي التونسي وقدرته على استيعاب التحولات العالمية.