في فيلمه الجديد “عصفور جنة” يحيط المخرج مراد بن الشيخ المشاهد بالجو العام للفيلم من المشهد الأول على الفور بكوميديا تنبع من الاختلافات الثقافية التي تجمع بطلي الحكاية.
تبدأ أحداث الفيلم، الذي يشهد عرضه العالمي الأول في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي بالجزائز، بوصول “أماديوس” تاجر التحف الإيطالي إلى تونس ليتزوج من حبيبته “بدرة” الشابة التونسية التي تصغره سنًا بكثير، ولكن فور وصوله تبدأ الاختلافات الثقافية بينهما بالظهور، وتتجلى عندما يشترط الإمام لإتمام الزواج أمرين ضروريين: الختان واعتناق الإسلام.
بين سعي عائلة بدرة لاستغلال فرصة الارتباط من صهر ثري وعاشق لابنتهم لأطماعهم الشخصية، وبين ما تفرضه العادات والتقاليد الإسلامية عليه من أجل الزواج بحبيبته، يجد أماديوس نفسه أمام معضلة حقيقية. فهو الرجل الذي هرب من إيطاليا للتخلص من تأثير أمه المتدينة والاستئصالية، ليجد في تلك البيئة الجديدة كليًا شكل آخر من التأثير والتحكم والاستئصال من تلك العائلة، ألا وهو الختان وتغيير دينه وهويته.
لم يلجأ بن الشيخ إلى الميلودراما المعتادة في تناول التقاء الثقافات المختلفة خاصةً تلك التي تعيق حبيبين عن تمضية حياتهما معًا، لكنه اختار وبذكاء شديد أن تكون الكوميديا عنوان قصته المقتبسة من رواية La Marmite d’Ayoub للكاتب محمد رضا بن حمودة، حيث أخذ أماديوس من قلب ثقافته الإيطالية الغربية المسيحية ووضعه في قلب الثقافة التونسية العربية الإسلامية، وسلّط كاميرته لتلتقط جميع المفارقات التي يخلقها هذا المزيج الغريب والمثير للاهتمام.
المميز بشأن فيلم “عصفور جنة” هو ذلك المزيج الذي خلقه بين الحوار الذكي واللحظات الصادقة التي تلعب دورًا أساسيًا في رواية أحداث الفيلم، وبين الكوميديا التي لم تكن فقط الحالة العامة التي تحيط بأحداث الفيلم وإنما هي التي ترسم خط الأحداث من البداية وحتى النهاية.
فقد بنى بن الشيخ الكوميديا لتنبع من قلب المواقف التي يقودها سوء الفهم بين شخصيات الفيلم التي يتحدث بعضها بالإيطالية فقط، مثل أماديوس، وهؤلاء الذين يتحدثون بالتونسية فقط مثل أهل بدرة، وسوء التفاهم هذا بجانب خلقه لأحد أفضل المشاهد الكوميدية التي قد تراها في فيلم من هذه النوعية، فهو العامل الأساسي في النهاية التي وصلت لها أحداث الفيلم.
يسلط الفيلم الضوء بسلاسة شديدة على الصراعات التي يواجهها الناس داخل أسوار الثقافات المختلفة التي يُعد تسلقها انتصارًا للحب وتضحية يختارها المحب بكامل الرضى ليجتمع مع من يحب، أو كما جاء على لسان بن الشيخ “هذه الكوميديا الاجتماعية والثقافية هي مساحة لقاء بين الشمال والجنوب، مساحة تسمح لنا بالضحك معًا على أنفسنا بعيدًا عن كل المآسي التي تميل إلى تفريقنا” وهنا يترك الفيلم المشاهدين ليتأملوا ما إذا كان الحب قادرًا حقًا على قهر كل شيء؟