تحيي تونس هذا العام مع سائر دول العالم اليوم العالمي للمسرح الموافق ليوم 27 مارس من كل سنة. وللأسف تكتنف إحياء هذا اليوم نكهة من الآلام وجرعات من القهر والعجز أمام مشاهد التقتيل الوحشي في غزة الأبية من أرض فلسطين الصامدة أبد الدهر.
تحولت غزة إلى ركح كبير تتجسد فيه المأساة الإنسانية بكل أبعادها العميقة فالقتل والحصار والجوع والتهجير كلها اجتمعت على أهل غزة أطفالا وشيوخا ونساء وعزلا لكنهم رابطوا وصمدوا فلم يتزحزحوا عن أرضهم… رغم ارتقاء الشهداء … رغم معاناة الجرحى …رغم بكاء اليتامى وعويل الثكالى بقيت غزة بعد عدوان صهيوني سافل دنيء قارب المائتي يوم، صامدة عصية على الاحتلال والمحتلين.
هذا المشهد الحربي غير المتكافئ بالمرة غالبا ما تنفره قيم الفن الرابع وتأبى أن تحوله إلى كتابة مسرحية يتلذذ فيها الظالمون والمستبدون بنصر زائف على المستضعفين في الأرض. إنما المسرح انتصار لقيم المحبة والسلام ونشر الفضائل والجمال.
لهذا أجمع أهل المسرح بأن من خصائص هذا الفن الجامع المتكامل أنه تأسيس حسي جمالي لعالم إنساني أكثر ألفة، وفي حوار دائم من أجل تطهير العالم الإنساني من أدران التكالب والتوحش والطغيان واستعباد الآخر.
ولعلّ التفكير في إحياء يوم المسرح عالميا فيه فلسفة نزاعة إلى تأليف الضمائر الحية من أهل الفن الرابع على نبذ التقوقع والانطلاق بمحلية الإبداع إلى آفاق أرحب تتجاوز مدى العالمية إلى الكونية وتظل أثرا مؤثرا في الكينونة البشرية.
فالمسرح يدافع على حق الإنسان على اختلاف لونه وجنسه ودينه ولسانه في الوجود والعيش الكريم والتمتع بشغف بما في الحياة من رقي الأحاسيس ونبل المشاعر ومنابع الحسن والجمال.
إن الفنانين المسرحين التونسيين بإحيائهم لهذا اليوم العالمي لواعون تمام الوعي أنهم بما ينحتونه على مدار السنة من إبداعات وإنتاجات مسرحية إنما يحاولون الإسهام في نصرة القضايا العادلة وتوجيه دفة الإنسانية إلى بر السلام الشامل الذي ينعم فيه كل فرد من أفراد العالم بحقه في الحياة والحرية والعيش كما يشاء هو لا كما يسطره الآخرون.
يصنع المسرح بمختلف أشكاله الفنية وجها شغوفا بالحياة لا تقدر الواقعية التي نعيش في ظل أزماتها المتكررة أن تصنعه لذلك قيل دوما “أعطوني مسرحا أعطيكم شعبا عظيما” فالفن الرابع أداة سحرية تبث العظمة في حياة الشعوب إن حسن توظيفها.
عاش المسرح في تونس وفي العالم عاش المسرحيون جميعا وكل عام وأهل الفنّ الرابع أرقى وأنقى.