تعرض قاعات السينما في تونس فيلم ” المابين ” المثير للجدل بدعوته إلى التفكير في مسألة قبول الاختلاف والتخفيف من الوصم الاجتماعي تجاه “البينيين الجنسيين” الذين يفرض عليهم القانون والمجتمع مسار طبي معقد من أجل التحول إلى أشخاص قادرين على مواجهة نظرة المجتمع وبالتالي يتماشون مع الأغلبية.
وتقول مخرجة الفيلم ندى المازني حفيظ إن الفيلم يركز على امتداد 96 دقيقة على نقل وتصوير المعاناة التي يخوضها المختلفون على الصعيدين الذاتي والمجتمعي من زاوية إنسانية بحتة.
“البينية الجنسية”.. معاناة و اضطراب
وتوضح مخرجة الفيلم لـ”قبل الأولى”، أن ما دفعها لطرح موضوع “بيني الجنس” في السينما هو معاناة عدد من الأشخاص من اضطرابات على مستوى التطور الجنسي تعرضهم للانتهاكات والاضطهاد في محيطهم وتضعهم في مواجهة صراع داخلي لا حدود له.
وتتابع ندى: ” إنهم مجرد أشخاص حملوا اختلافهم الجنسي منذ الولادة لكن المجتمع يصر على رفضهم وإقصاءهم مما يعرضهم لمسار طبي وجراحي معقد وخطر حتى يتحولوا إلى أحاديي جنس بهوية جندرية تنسجم مع معايير المجتمع والأصعب هو أن يعيش البيني الصراع داخل جسده في مرحلة الطفولة والشباب وتقرر العائلة تحديد جنسه طبيا ثم يجد نفسه في سن النضج غير منسجم مع ما قررته عائلته فيضطر من جديد إلى رحلة علاجية ثانية أو يهرب من اختلافه إلى المعاناة النفسية والاضطراب”.
بين مفترق الذكورة و الأنوثة
عن جرأة الموضوع تقول ندى المازني حفيظ: ” أفضل دائما العمل على الدراما الاجتماعية حتى نساعد على تغيير العقليات بمناقشة المواضيع المسكوت عنها خاصة التي تعبر عن معاناة فئات هامشية داخل المجتمع تعيش معنا في نفس البيئة ولكننا لا ننتبه إلى صراعاتهم الداخلية ”
و تتابع: “كل ما أردت التعبير عنه فنيا هو معاناتهم النفسية والجسدية وتفاصيل خليط المشاعر والأحاسيس التي تحركهم، ربما أحرجت المتفرجين وتحديت المجتمع ولكن هدفي كان لفت الانتباه لفئة من الناس تعيش بيننا وتتعرض للوصم والرفض ”
وتؤكد مخرجة الفيلم ندى المازني حفيظ أنها قاربت القصة الإنسانية لـ”بيني الجنس” من خلال شخصية رئيسية في الفيلم هي ” شمس” التي تحب وتعمل وتعاني ثم تختار أن تبقى “بينية الجنس” في مجتمع لا يقبلها ويجبرها على اختيار هوية جنسية محددة موضحة أنها لم تخض في الجوانب الطبية لأن هناك أنواع كثيرة من “البينية” وفي المقابل ركزت على الحيرة النفسية والموقف الاجتماعي.
و يصور الفيلم مسارات حياة “شمس”، خياطة شابة تعاني من تشوه خلقي يسجنها في مفترق طرق بين الأنوثة والذكورة، وحينما ينكشف سرها تنقلب حياتها الهادئة رأسًا على عقب…
وتضطر للهروب من أعين الناس ووصمهم وتندلع داخلها معركة بين الهوية والأفكار المسبقة التي يخلفها المجتمع داخل كل فرد.
قصص حقيقية مصدر إلهام لبطلة الفيلم
وتلعب دور البطولة في فيلم “المَابين” الممثلة أمينة بن اسماعيل ويشاركها أحداثه الممثلين سناء بالشيخ العربي ومحمد مراد وفاطمة بن سعيدان ومحمد الداهش وفتحي العكاري وأيمن بن حميدة وهيفاء بولكباش.
وقالت أمينة بن إسماعيل إنها قرأت الكثير عن فئة “البينيين” قبل القبول بالدور وشاهدت الكثير من الوثائقيات عن حياتهم حتى تفهم جيدا موضوع “البينية الجنسية” الذي لا يتحدث عنه العالم كثيرا ثم التقت “آمنة” فتاة “بينية الجنس” و من خلال تجاربها تمكنت من التعبير عن الشخصية باضطراباتها النفسية و معاناتها من الوصم الاجتماعي.
وتؤكد أمينة بن إسماعيل أنها استلهمت الكثير من واقع “البينيين” الذين التقتهم حتى تنجح في التعبير عن شخصية “شمس” وأنها تشجع عرض هذه الأفكار الجريئة في السينما من أجل سماع قصص المختلفين وعدم سجنهم في اختلافهم وتهميشهم خاصة وأنهم ولدوا حاملين لاختلاف لا ذنب لهم فيه.
ولإبراز حالة الضياع والاضطراب النفسي الذي تعيشه “شمس”، جعلت ندى المازني حفيظ حركة الكاميرا تخترق باطن الشخصية من خلال ابراز ملامح وتقاسيم الوجه عبر لقطات قريبة، حتى تعكس الاضطراب
البسيكولوجي الذي تعيشه الشخصية الرئيسية، فوظفت الصورة، الصوت والموسيقى وابعادهم الجمالية لسرد قصة مؤثرة وطرح قضية عميقة.
هذا ويتواصل عرض الفيلم في قاعات السينما للأسبوع الخامس بالعاصمة وفي ولايات بنزرت والمنستير وسوسة و في مدنين و تحديدا جزيرة جربة وسط موجة من الجدل لدى جماهير السينما بين منتقد لقصة الفيلم التي تتجرأ على ضوابط المجتمع وبين متقبل لمبدأ التعبير عن صراعات “البينين” الذين يعانون من اضطرابات على مستوى التطور الجنسي جعلتهم عرضة للانتهاكات والاضطهاد في محيطهم من خلال الفنون.
