سعادة سفير فلسطين بتونس “نحن كشعب فلسطيني بإمكانياتنا المتواضعة هزمنا استراتيجية استعبادية كونية”

سفير بتونس منذ خمس أو ست سنوات، كنتم في الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية (في تونس، كانت بالمنزه)، عملتم سفيرا أيضا بألمانيا وفرنسا، وبحسب معلوماتنا نقطة قوتكم تكمن في قدرتكم على إقناع الغرب وإصراركم أيضا على فرض رأيكم دون خوف أو تراجع.

 الجزء الأول من الحوار 

حوار: آسيا توايتي

بما أننا بصدد الحديث في هذا السياق بالذات، برأيكم ماهي آليات وصول الخطاب الفلسطيني للغرب؟

هي ليست فقط نقاط قوة، نتيجة لذكاء أو اجتهاد أو نشاط ،هي قراءة للوقائع والإحداثيات الحقيقية وقراءة الآخر من داخله، أياّ كان هذا الآخر، إن كان شريكا، أو عدواّ أو حليفا لطرف من الآطراف نحن كناّ نجري مراجعات طويلة لأنّه و كما كنت أذكر لأصدقائي الأوروبيين لما ّ كانوا يرفعون عنوان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وكأنه صراع بين طرفين، فكنت أرجع لمصادرهم و أرشيفاتهم و إحداثياتهم المسجلة وأقول لهم “راجعوا أنفسكم”، لو كان هذا صراعا بين طرفين لما استطاع أياّ كان أن يتجرّا بانتزاع الحق الفلسطيني أو محاولة إرهابه وتدميره وتهجيره، نحن كشعب فلسطيني بإمكانياتنا المتواضعة وبطاقاتنا اللامحدودة في تاريخنا وفي حضارتنا وموقعنا الجغرافي وفي تمسكنا بهويتنا الوطنية ، هزمنا استراتيجية استعبادية كونية، خططتم لها على مدى قرون وقمتم بتنفيذها على مدى عقود ونحن حتى لا نعرف أسباب هذا الصمود اللامحدود لشعبنا على أرض فلسطين وهذا فاجئكم لأنكم كنتم تتخيلون واهمين، أن الشعب الفلسطيني سينسى هويتها خلال أيام أسابيع أو أشهر. نحن مازلنا موجودين على أرض فلسطين، ثبّتنا هويتنا في الجغرافيا، في الديمغرافيا وفي التاريخ.

ما وقع علينا نحن الشعب الفلسطيني إذا راجعنا كلّ هذه القوى التي تكالبت على تقرير الهوية الوطنية الفلسطينية، سواء كانت إقليمية أو دولية، لو كانت تقع على قارّة مثل قارة أوروبا التي تعتبر نفسها قوة تكنولوجية وحضارية وثقافية وفكرية وتدّعي أنها تحمل القيم الإنسانية (حرية الانسان، المساواة، الديمقراطية والعديد من المبادئ الأخرى) لتبخّرت، لو وقع عليها ما وقع علينا خلال فقط العقود وليس القرون والترتيبات لتبخرت من الجغرافيا والديمغرافيا والتاريخ.

شعبنا صامد، مازال على أرضه، يتألمّ، جراحه لازالت تنزف، حاولتم استعباد عقولنا وأوطاننا كسرنا كلّ هذه الحلقات، كلّ جيل أتى إلاّ وكان أكثر وعيا من الجيل الذي سبقه وهذه معجزة في تاريخ البشرية، من آدم وحواّء إلى اليوم، فلذلك هذا ليس صراعا بين طرف وآخر: لقد واجهنا استراتيجية هيمنية، لا إنسانية أرادت تصويرنا كإرهابيين وكوحوش وكناّ في مقدّمة استراتيجية أنسنة الإنسان للبشرية كلهاّ.

فإذا سقط الحقّ الفلسطيني تأكّدوا أنّ حقوق 99 في المائة من ديمغرافية العالم سوف تسقط  وتحكم الواجدة في المائة المتبقية أو ما تسمونها منظومات الدّول العظمى أو الكبرى أو منظومات الدول العظمى أو منظومات الدّول العميقة ، حتى في تسعين بالمائة من  شعوبهم لذلك فإنّ الشعب الفلسطيني صامد ليس دفاعا عن حقّه فقط ولا عن حقوق شعوبنا العربية فقط ، لأنّ الهدف الأساسي كان تفتيت الشعوب العربية والدول العربية وإضعافها بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر إذا هذا الصمود الأسطوري لشعبنا بالرغم من كلّ الجراح و الآلام والجرائم التي ارتكبت ضدّنا ،أصبح أكثر شعوب العالم تحصينا في تمسكه بهويته و في أخلاقه، في إنسانية ، في وطنه و في هويته الوطنية .

في بيان القمة العربية الإسلامية المشتركة، المنعقدة السبت 11 نوفمبر 2023، (والذي اعتبره البعض بيانا لطيفا ودودا ومترددا)، كانت هناك دعوة لوقف تصدير الأسلحة للكيان المحتل وحديثا عن سيادة كاملة لدولة فلسطين وعن السلام، ماذا عنكم كيف وجدتم البيان؟

قد تكون لنا اجتهادات مختلفة، ولكن علينا أن نحدد أهدافنا الرئيسية: هل أنّ أشقائنا واعون بأنهم هم المستهدفون في كلّ ما يمرّ به أشقائهم في فلسطين؟ بمعنى أنّه لما قامت الحركة الصهيونية، كان الهدف البحث عن قواعد لتسهيل هيمنتها واستعبادها ونهب مصادر الشعوب وشكلوا منظومات واستخدموها، هذه القواعد أرادت أن تهيمن على العالم) ما نسميه بالقوى بالإمبريالية أو الاستعمارية خاطئ بالأساس لأنّهم لم يأتوا إلى منطقة فارغة مهدّمة واستعمروها، بل هي استراتيجية استعبادية بالأساس، لاستعباد العقول قبل استعباد الأوطان ما ركزوا عليه على محاور مبنية على تجهيل العقول، انكشفت أمام هذا الصمود الأسطوري لغزة، فرضوا برامجا لتسيير الأجيال الصاعدة في مسارات محددة قائمة على التجهيل و التزوير.

وهذا ثبت من خلال كلّ ما كشفته وسائل الإعلام الغربية التي حاولت تزييف الحقائق بشأن ما يحدث من جرائم، في الضفة والقدس، من كانوا يعملون بالمؤسسات التي تسمي نفسها إنسانية كان هدفهم زرع بذور المجتمعات من داخلها وقراءتها من الداخل وقراءة نقاط القوة ونقاط الضعف، إذا النقطة الثانية التي عملوا عليها في هذا إطار، هي إفساد المجتمعات.

النقطة الثالثة المعروفة لهؤلاء، هي خلق صراعات داخلية والعزل والهيمنة، استراتيجية “فرقّ تسدّ”: دمرت الشعوب وقسمتها وقامت بعد ذلك بالهيمنة عليها بأرخص الأسعار.

رابعا: خلق منظومات ما يسمى بمنظومات الرأسمالية والتجارة الحرة والمراكز المالية التي تتحكم في المسارات المالية للشعوب، بهدف تسييرها ضمن” استراتيجية تسيير إحباط وتيئيس ” (من اليأس) حتى لا يتجرأ أحد عن الخروج عنها. ومارسوها حتى على شعوبهم

خامسا وهذا الأخطر، صناعة ما يسمى بالأعداء الوهميين والآن هم اعترفوا أنهم من صنعوا هؤلاء كحجة لتبرير جرائمهم ضدّ الشعوب الأخرى ولذلك نرى في هذه المرحلة و أمام هذه المواجهة الكونية للشعب الفلسطيني أمام كلّ القوى العظمى التي حاولت أن تعطي إسرائيل حقّ الدفاع عن نفسها أمام شعب محتل : نحن من لنا الحق أن ندافع عن أنفسنا : هذا الوعي بدأ يتفجرّ في كافة طبقات المجتمعات الغربية و على رأسها الولايات المتحدة كأداة ثمّ تحولت إلى قاعدة استراتيجية وهذا ظاهر في أرشيفهم لما اعترفت الحركة الصهيونية في أمريكا بعد أن وقعو معها أنّ هذه الدولة ستكون أداة للسيطرة على المنطقة ثمّ تحووا إلى قاعدة تنفيذية ثمّ إلى شريك و الآن يطالبون بإدارة هذا الموضوع .

في كلمة لنتنياهو مؤخرا أشار إلى أنّ الدول التي وقفت معهم أصبحت جنودا لديهم. تخيلي، يتحدّث عن قوى عظمى (أمريكا وبريطانيا وفرنسا..) ويعتبرهم جنودا لديه. هذا استخفاف بهم، برأيي كان يكفي أن تظهر هذه الجملة في صحيفة واحدة في الغرب ليفهموا النظرة الفوقية لهذه المنظومة التي لا تريد الهيمنة علينا فقط وإنما تريد الهيمنة أيضا عليهم.

مجرّد أن أحد الرؤساء قال لا يمكن أن نستمر في ذبح الأطفال والجرائم ردّوا عليه بشكل لا يصدّق، بما معناها من انت، نحن أخلاقيين.( شوفي ها الوقاحة).

أعتقد أنهم وصلوا إلى مرحلة ما يسمى بعماء هنجهية الغرور، أو هنجهية القوة، بحيث أصبحوا لايرون الواقع أمامهم ، مرحلة صار فيها الطفل الفلسطيني يرعب هذه المنظومات : هذه الاستراتيجية الأمنية الاستعبادية لنهب أموال كل الشعوب بدأت تهتز من داخلها ….(يتبع)

Related posts

محمد التليلي المنصري يتابع عملية تقديم الترشحات بقبلي

Ra Mzi

صفاقس: تسجيل 4 حالات وفاة بفيروس كورونا

root

تونس وإيطاليا تُوقّعان على مذكرة بشأن الهجرة النظامية