يستمر مهرجان دريم سيتي في عرض مشاريع تمد الجسور بين الماضي والحاضر وبين التراث والحداثة وبين الجنسيات والفنون المختلفة وتستثمر فضاءات المدينة لخلق تعبيرات مغايرة.
وتماشيا مع تصوراته التي تحاول في كل مرة أن تقطع مع السائد والمألوف وتخلق في كل مرة سبلا جديدة يلتقي فيها المعمار والتراث والفن والثقافة، يقترح المهرجان على جمهوره رحلة في ثنايا التاريخ في “قشلة العطارين” التي أصبحت قلب دريم سيتي لرمزيتها ولأهميتها في برمجة المهرجان ففيها تجسدت الشراكة بين الشارع فن والمؤسسات العمومية في ترميم المعالم التراثية وتثمينها، يسافر زائرو المكان بين ثنايا الكتب والأفلام والمعارض.
وفي حلتها الجديدة ستحضن قشلة العطارين 11 عرضا في إطار قسم “Dream Projects” بالتعاون مع حور القاسمي باعثة مؤسسة الشارقة للفنون والمديرة الفنية لدريم سيتي وسط إعادة تهيئة ورسكلة لما تبقى من أثر المكتبة الوطنية التي كان يؤويها المكان.
وقد أشرف الفنان والسينوغراف وديع المهيري على تهيئة المكان وإعادة نصب الرفوف وتنظيم الكتب المتوفرة حسب المواضيع وترصيف المجلات والخرائط كما تم أيضا إعادة استعمال علب الأرشيف وتحويلها إلى مقاعد يستغلها الزائرون.
وفي قشلة العطارين تجلت تفاصيل إحياء هذا المعلم التاريخي الذي كان في مرحلة ما من تاريخه يعج بالمثقفين والمفكرين التونسيبن ويعود تاريخ بناء هذا الفضاء الذي كان في بدايتة ثكنة عسكرية (قشلة) إلى سنة 1813 في عهد حمودة باشا وإثر انتصاب الحماية الفرنسية تم تحويله إلى مكتبة اشتملت على رصيد هام من الكتب والمخطوطات باللغة العربية علاوة عن رصيد من الكتب باللغة الفرنسة الموروثة من الحقبة الاستعمارية وفي وقت لاحق أصبح مبنى المعهد الوطني للآثار والفنون
وقد خضع هذا المعلم مؤخرا الى عملية تهيئة لاحتضان “Dream Projects” ، وسيكون من الآن فصاعدا حيزا ثقافيا مفتوحا للعموم يتيح لمرتاديه فرصة للالتقاء وتبادل الآراء حول التاريخ والأرشيف والأعمال الفنية التي تتيح مادة للتفكير وإعمال الرأي حول القضايا الجماعية والسياسية الراهنة.
وسيكون هذا المكان الثقافي الجديد فضاء يلتقي فيه الناس وسيحتوي على قاعات عرض للأعمال الفنية من بينها
فيلم نص الحوار (2012) للمخرجة الأرجنتينية “غابرييلا غورديلا”، حيث تقرأ فتاتان بيان الحزب الشيوعي مع جدتهما وتسعيان إلى فهم تاريخ الصراع الطبقي والثورات الاجتماعية وتؤدي الجدة في هذا الفيلم دور والدة المخرجة التي كانت من ضمن مناضلات الحزب الشيوعي الأرجنتيني.
ويتناول “مانثيا دياوارا” في فيلمه “أنجيلا ديفيس: عالم من حرية عظيمة (2023)” سيرة وعمل هذه الناشطة السياسية الأمريكية ويتخذ شريط دياوارا شكل مجموعة شعرية حول الـتوجه النقدي لديفيس ونضالاتها من أجل علاقات مغايرة في عالم جديد بصدد التشكل كما سيتم في نفس السياق عرض فيلمين اخرين لدياوارار يحمل الأول عنوان “ادوارد غليسالت: عالم واحد مترابط” (2010)، ويحمل الثاني عنوان حوار بين سوبنكا وسنغور (2015) .
وتستعيد منية القديري في فيلمها “كرود آي” ذكرى من ذكريات طفولتها تتمثل في مدينة ضخمة هي في الواقع مصفاة نفط ضخمة، ويعيد هذا العمل المتمثل في شريط فيديو إلى الأذهان مشاهد من الرسوم المتحركة وأفلام الخيال العلمي.
وتقدم المجموعة الموسيقية الهايتية “ذو ليفينغ آند داد” مشروعها الثاني بعنوان “الصحوة” (مشروع انطلق سنة 2021) ويركز المشروع الجديد على ما يتيحه الليل من إمكانيات لتكوين وإنشاء حركات نضالية للشبان على ضفتي المحيط الأطلسي، ويقيم رابطا تخيليا بين الذين تم استبعادهم إلى هوامش العالم واختاروا الإفصاح عن آرائهم في ظل الأزمة العالمية الراهنة.
ويمثل المعرض الحالي الخاص “Dream Projects” مناسبة لعرض الرباعية الكاملة لأفلام مروة أرسانيوس التي تشكل سلسلتها الحاملة لعنوان “من يخاف الإيديولوجيا؟” وتتناول أرسانيوس في افلامها الأربعة، التي اعتمدت في انجازها – فى مستوى البحث والإخراج – مقاربة تقوم على تعدد التخصصات – تحليل منظومة القمع والاستبداد الاقتصادي والاجتماعي القديمة المتجددة، واقتراح أساليب حياة بديلة تتناغم مع الطبيعة.
وتعد بعض التجارب التي خاضتها النساء والنضالات ضد الاستعمار، التي تميزت باعتماد التشاركية والاحاطة والدفاع عن الذات من بين الأمثلة التي تسوقها أفلام أرسانيوس لإحداث تغيير اجتماعي وسياسي على نطاق واسع.
وبالعودة الى تاريخ قشلة العطارين، تسلط فريال دولان زواري، من خلال عملها أين تتوقف الطرق وأين تبدأ الكتابة؟ (2023)، الضوء على موقع هذا المعلم في قلب سوق العطارين، مستخدمة الفخار والزجاج لإنشاء رسوم خطية تشبه الجذور التي تنبثق من الأرض في إشارة واضحة إلى النباتات العطرية التي كانت تستخدم في إنتاج العطور.
وفي إحدى الغرف العلوية لقشلة العطارين، تستكشف سُنية قلال في عملها الحامل لعنوان “غرزة سابقة – غرزة لاحقة” (2023) تاريخ مدرسة الاطارات، التي أنشئت سابقا في معهد باب الجديد والتي تولت تدريب أجيال متعاقبة من الفتيات القادمات من جميع أنحاء البلاد. ويتضمن هذا العمل عرضا لأرشيف هذه المؤسسة الذي يشتمل على مستندات وصور علاوة على نتائج استقصاءات ميدانية أجرتها الفنانة، وتشهد على أهمية التعليم المبتكر الذي كانت تؤمنه هذه المؤسسة.