يشهد قطاع كراء السيارات في تونس أزمة عميقة منذ ظهور فيروس ” كورونا ” الذي كانت تداعياته وخيمة على هذا النشاط . و رغم ما يشهد هذا القطاع من حركية اقتصادية خلال فصل الصيف ، إلا أنّ تنامي النشاط الموازي قد كبّد القطاع خسائر كبيرة . إذ يشغل قطاع كراء السيارات أكثر من 10 آلاف عاملا بشكل مباشر و غير مباشر في حوالي 500 شركة لديها 20 ألف سيارة . و رغم تباين الأرقام المقدمة حول هذا القطاع ،إلا أنّ أهميته الاقتصادية و الاجتماعية تعتبر هامة في تونس .
تسببت جائحة فيروس ” كورونا ” في إفلاس ما يناهز عن 33 شركة لكراء السيارات في تونس وإحالة 1500 عاملا على البطالة خلال سنة 2019 حسب ما أكدته مكتب الغرفة الوطنية لكراء السيارات . وارتفع عدد الشركات الناشطة في قطاع تأجير السيارات والتي أغلقت أبوابها خلال السنتين الأخيرتين إلى حوالي 70 شركة بسبب تداعيات جائحة كورونا وتفاقم الأزمة التي يشهده القطاع .
كما أنّ توقّف الشركات عن النشاط خلال فترات الحجر الصحي والتراجع الحاد للسياحة وتضخم القطاع الموازي لكراء السيارات، ساهمت كل تلك العوامل في تعميق خسائر الشركات المالية وديونها تجاه البنوك ، مما أدّى إلى في إحالة أكثر من ألفي عامل عن البطالة وفقدانهم لمواطن شغلهم . مصادر رسمية من الغرفة الوطنية لكراء السيارات قالت أن عدم تفاعل الجهات الرسمية مع الدعوات المتكررة لمكافحة النشاط الموازي لكراء السيارات، ساهم في ارتفاع عدد السيارات التي يتم استغلالها في القطاع الموازي وخارج القانون إلى أكثر من 50 ألف سيارة . و هو رقم مبالغ فيه لكنّه يطرح مشكلة عميقة داخل البلاد تحتاج إلى دراسة دقيقة للوقوف على مخلفاتها من مختلف الجوانب الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية …
غياب الحلول عمّق أزمة القطاع
وشدد المتحدث باسم الغرفة الوطنية لكراء السيارات على ضرورة الحفاظ على ديمومة الشركات ومواطن الشغل ، من خلا إيجاد حلول للأزمة ، محذّرا من أن القطاع أصبح اليوم يحتضر بسبب الوعود التي قدمتها الحكومات المتعاقبة وبقيت حبرا على ورق . وطالب الغرفة الوطنية لكراء السيارات من وزارة النقل تمديد المدة القانونية المحددة لاستغلال السيارات من جانب الشركات، وذلك بسبب تراجع النشاط وانكماشه على مدار السنتين الماضيتين وبالتالي بقاء عدد مهم من العربات دون استغلال . و حسب آخر المعطيات فقط بقيت أكثر من 90 بالمائة من السيارات دون استغلال خلال السنوات الأخيرة و في أغلف فترات السنة . مما يستوجب الزيادة من عدد السنوات المسموح بنشاطها من 3 سنوات إلى 5 أو 6 سنوات للاستفادة من عائدات استغلالها ماليا . إذ أن تمديد مدة استغلال السيارات سيخفف الضغوط المالية على الشركات، باعتبار أنها ستتمكن من استغلال السيارات الموجودة لديها لمدة سنة أو سنتين إضافيتين وبالتالي تغطية جزء من خسائرها ، وسيحافظ على مواطن الشغل واستمرارية المؤسسات . و تندرج مطالبة أهل القطاع من الحكومة التونسية اتخاذ إجراءات لإنقاذ القطاع ضمن برنامج متكامل يكشف عن مدى أهمية قطاع كراء السيارات في الناتج الداخلي القومي الخام و مساهمته في توفير مداخيل مهمة لميزانية الدولة، إذ أنّ 35% من معاملات شركات الإيجار المالي و34% من معاملات وكلاء بيع السيارات متأتية من شركات كراء السيارات.
القطاع في حاجة إلى الإنقاذ
قطاع كراء السيارات يقتني حوالي 5500 سيارة سنويا لتجديد الأسطول، باعتبار أن القانون المنظم لهذا النشاط يمنع استغلال كل سيارة تجاوزت 3 سنوات من تاريخ أول جولان لها . و هو ما يقلص من نسبة مرابيح الشركات حيث يضطر أصحابها إلى التفويت بالبيع لأسطول كبير من السيارات سنويا مقابل دفع أموال طائلة لشراء سيارات جديدة مما أرهق وكالات كراء السيارات . أصحاب الشركات يدفعون معاليم ضخمة لتأمين سياراتهم و التغطية الاجتماعية اللازمة للعاملين بالقطاع و معلوم الجولان لكل سيارة إضافة إلى ما يتكبّدونه من مصاريف جراء عمليات صيانة السيارات أو إصلاحها جراء حوادث المرور التي يرتكبها الحرفاء إضافة إلى تعقد إجراءات تسلم محضر المخالفة والأعباء المالية التي يتحملها صاحب مؤسسة كراء السيارات خاصة وأن الوكيل مطالب بالتنقل على عين المكان وللمنطقة التي تمت فيها المخالفة، وطالب تبسيط إجراءات تسوية وضعية المخالفات المرورية المتعلقة بتجاوز الوقت القانوني أو غيرها من المخالفات…و حسب أهل المهنة فإنّ قطاع كراء السيارات استثنته الدولة من كل المساعدات والتسهيلات لمجابهة تداعيات الأزمة الوبائية، مما يستوجب القطاع تحيين القوانين وتغييرها لتتماشى أكثر من متطلبات المهنيين . أسعار السيارات ارتفعت بين 7 إلى 15 بالمائة، من شهر جانفي 2021 إلى جانفي 2023 ، إضافة إلى انهيار المقدرة الشرائية للمواطن وعدم قدرته على دفع مبالغ تغطي كلفة الكراء لينخفض هامش الربح للوكيل . و يتكبّد عديد وكلاء كراء السيارات خسائر فادحة ، ويفرطون في السيارات للكراء بأسعار لا تغطي الكلفة التي تصل إلى 75 دينارا في حين يقع كراء السيارات بـ 50 إلى 60 دينارا في اليوم الواحد في بعض فترات السنة . و أدّى قطاع كراء السيارات الموازي خارج الأطر القانونية إلى خسارة الدولة لأكثر من 150 مليار جراء القطاع الموازي الذي يدمر القطاع المنظم لكراء السيارات .