في إطار فعاليات الدورة الحادية والعشرين لمهرجان الأغنية التونسية، انتظمت صباح أمس الخميس 9 مارس 2023 ندوة علمية حول قطاع الموسيقى في تونس تحت عنوان “من الدولة الراعية إلى منظومة اقتصاد السوق”، وذلك بالمعهد العالي للموسيقى بتونس.
و انطلقت الندوة بطرح تساؤلات حول الصعوبات التي تحول دون رواج الأغنية الوترية حيث اعتبر السيد سمير بشة مدير المعهد أنّ النجاح ليس حلما مستحيلا مستشهدا بما حققه عدد من الفنانين خارج تراب الوطن ليستنتج من ذلك أن السؤال الأهم هو كيف لا تكون هذه النجاحات مجرد استثناءات؟
و تنوعت زوايا المداخلات حيث ركز الباحث في المجال الموسيقي حامد غرس الله على المعطيات التي تفسر رواج الانماط الجديدة خاصة على موقع اليوتيوب و فسر مرونة الانتشار بغزارة الإنتاج، فضلا على أن أغلب الأصوات لا تبث طبيعيا بل تضاف اليها تقنيات البرامج على غرار ما يعرف بالاوتوتيون، الى ان أصبحت هذه العناصر جمالية يطلبها الجمهور ومن ثم يسهل على صاحبها الانتشار والانتقال من الغناء الى الموضة ثم الى التمثيل .
كما شبه غرس الله الهواتف الذكية بالحواسيب الصغيرة التي تمر عبرها ملايين الانتاجات في مدة وجيزة من خلال ولوج أصحابها الى منصات التدفق الموسيقي على غرار سبوتيفاي.
ومن جهته لم يستبعد أنيس المدب منسق الندوة ، أن يكون نجوم الأغنية مستقبلا أشخاص افتراضيون، كما توقع أن تعتمد الموسيقات في المستقبل القريب على برامج اعداد ذاتي دون حاجة للإبداع الانساني أو الدراية بالأسس الموسيقية .
لذلك دعا الى مجاراة التحولات المتسارعة حتى لا تبقى آمال الموسيقيين متعلقة بإمكانيات الدولة لا غير.
وأشار إلى ضرورة التمعن في انفتاح وسائل التواصل على مصراعيها بعد سنة 2011 ،
الأمر الذي أثبت قدرة الأنماط الحديثة مثل الراب والهيب هوب على احتلال السوق وتحقيق أرباح هامة في الوقت الذي لم تتمكن الموسيقات التي تنتمي للنظام المقامي ( الوترية) على تحقيق ذلك رغم توفر الفضاء الرقمي ومحاولات تطويع التشريعات لدعمها من قبل الخواص.
و عرض المدير الفني لمهرجان الأغنية عادل بندقة صاحب الدعوة لعقد هذه الندوة جملة من الأرقام التي تبين صعوبات ترويج الموسيقيين التونسيين لمنتوجاتهم من بينها اعتماد 1000 موسيقي حامل لبطاقة احتراف على مهن أخرى مقابل تفرغ 4000 موسيقي فقط للقطاع.
كما ذكر رقم المعاملات لمبيعات الموسيقى الفرنسية التي بلغت 2100مليار سنة 2019 علما وأن 70% منها متأتية من عالم الديجيتال.
ومن جهة أخرى عرض الباحث أنس غراب إحصائيات للإتحاد الدولي للصناعة الفوتوغرافية بيّن من خلالها مدى تطور المبيعات الموسيقية من سنة 1999 الى سنة 2022 عبر المنصّات وشبكات البث الإلكترونية مقابل التدهور المتسارع لمبيعات المحامل على غرار الأقراص المضغوطة .
وأكد غراب على ضرورة بعث مرصد مستقل للإقتصاد الموسيقي يتابع آليات القطاع بالأرقام والإحصائيات العلمية ويقوم بتحيينها بشكل دقيق ومستمر حتى نتمكن من دراسة السوق ومواكبة متغيراتها .
لأن الأرقام التي تم عرضها تؤكد أن السوق التونسية و العربية جذابة جدا من حيث الطلب لكن العروض تشكو من النمطية،
الأمر الذي يتطلب شجاعة من رؤوس الأموال للإستثمار في منصّات محليّة وإلا فإن المنصّات العالمية ستستقطب انتاجاتنا القابلة للرواج.
و أثناء مداخلته، عاد الباحث سفيان العرفاوي إلى مرحلة التأسيس للمشروع الثقافي الموسيقي الوطني حيث فسر وضعه تحت يد الدولة من زاويتي نظر قسّمتا مداخلته الى قسمين :
القسم الاول مشروع ثقافي وطني تتكفل به الدولة دون غيرها أما الثاني فيتمثل في ملامح استبداد ناعم من خلال التحكم التام في المشهد الثقافي.
كما تطرق الحاضرون خلال النقاشات الى استحالة النفاذ الناجع لمنصات الترويج الإلكترونية في ظل التشريعات الحالية خاصة في ما يتعلق بالبطاقة التكنولوجية التي تفرض على الفنان أن لا يتجاوز الـ1000 د في حين يسمح للمؤسسات بما قيمته 10000 د فقط من العملة الصعبة .
ومن جهته طرح نقيب المهن الموسيقية ماهر الهمامي مشكل إدخال الأموال التي يحققها مغني الراب خاصة الى حساباتهم في تونس مؤكدا أن عددا كبيرا منهم قادر على توفير ما قيمته 50ألف دينار شهريا من العملة الصعبة لكن يمنعهم خوفهم على أموالهم من التجميد .
الأمر الذي وضحه زياد الروافي رئيس مصلحة بالبنك المركزي الذي أكد توجه النية نحو تفعيل مجلة الصرف والتجارة الخارجية لتتماشى مع متطلبات العولمة، خاصة في مجال استعمال العملة الصعبة وإعادة إدخالها إلى تونس .
كما أكد أن البنك المركزي سيسمح بالترفيع في سقف استعمال البطاقة التكنولوجية من 1000 د الى 3000 د للفرد و من 10000 د الى 30000 د للمؤسسات.