عرض “فابيلاتوغراف” في أيام قرطاج الموسيقية : أوبرا وخرافة.. و فلسفة

إن “كان الصمت في حرم الجمال جمال”، فإنّ الصمت في حضرة الموسيقى خشوع وسجود  لوحي الآلات وهي تعزف سمفونية الحياة. ولقد قدّم  عرض “فابيلاتوغراف” من فرنسا  ضمن أيام قطاج الموسيقية متعة مدهشة تأسر كل الحواس وتسيطر على الإحساس للإبحار في ملكوت أوبرا الباروك الفرنسي وللاستمتاع بفن الزمن الجميل.

كيف يمكن للموسيقى أن تستوعب الأسطورة؟ وكيف يمكن  لقصص الحيوان أن تتجسد على الركح  في شكل أغنيات وحكايات وشخصيات  تمتع الكبار قبل الصغار؟  لقد استطاع هذا العرض القادم من “عاصمة  الأنوار”  أن يخلق مشهدية بصرية فريدة من نوعها  يرافقها أداء أوبرالي فائق العذوبة وإخراج مسرحي وسينمائي مزدوجا  فكان عرضا متكاملا وباذخ  الإبهار والإبداع.

لقد كان هذا المشروع الفني  بهيجا وشاعريا إلى حد بعيد  في مزج بديع  بين تقنيات الفيديو وموسيقيي الأوركسترا يوقظ فينا المشاعر والذكريات ويأخذنا إلى خارج حدود الزمن في دعوة  للحلم  وإطلاق العنان للخيال حتى يسافر بعيدا بعيدا. كانت فسيفساء الألحان والصور والألوان لغزا مثيرا للسقوط  في فخ  الموسيقى التي تنطق بالحكمة والمرح في آن واحد.

في أجواء شاعرية تشبه  الحلم وعالم العجائب، يطلب قائد الفرقة الثعلب المبتهج من الموسيقيين مقطوعة الفصول الأربعة لفيفالدي، وهناك تسبح المغنية بين أرجل مالك الحزين محاطة بأسماك متعددة الألوان ويعطل ابن عرس عشاء رومنسيا بين عاشقين … ويحط غراب على كتف عازفة الكمنجة حاملا بمنقاره قطعة جبن.

لقد غيرت معزوفة الفصول الأربعة الشهيرة تاريخ الباروك الفرنسي حتى أن الملك لويس الخامس عشر قد انتقى مقطوعة  الربيع ليتم عزفها في كل اللحظات الاستثنائية. وبدوره تربّع  الكاتب  الفرنسي جون دو لافونتان على عرش أشهر كاتب قصص خرافية والتي تأتي على ألسنة الحيوانات والطيور في تاريخ الأدب الفرنسي. وقد وُصف  تأثير قصص لافونتين الخرافية  بأنه “يدخل السعادة على قلوب ثلاثة أجيال مختلفة: فالطفل يبتهج بالنضارة والحيوية التي تتميز بها القصة، أما دارس الأدب المتلهف فيجد فيها ضالته المنشودة من الأدب تام الكمال الذي يظهر في طريقة السرد بينما يستمتع الرجل المجرب بما فيها من تأملات بارعة في الشخصية الإنسانية وفي الحياة”.

ولقد كان الاحتفال بمرور 400 عاما على ولادة جون دو لافونتان مناسبة جميلة لتقديم  عرض “فابيلاتوغراف”  الذي داعب الطفولة فينا، ولامس الجانب الملائكي في الإنسان،  وجمع  بين الموعظة والأسطورة، وخاطب الوجدان والعقول في طرح فني فلسفي فريد من نوعه.

Related posts

قطع البث عن اذاعة شمس اف ام

Anissa Taha

بعد 12 عاما: تعود أوركاسترا “بارباس” لإمتاع جمهور مهرجان الدولي حمامات بموسيقي ثرية نابعة من شمال إفريقيا

root

هند صبري تتصدّر قائمة الأفلام الأعلى إيرادات بتاريخ السينما المصرية

Rim Hamza