قيل إن إعدامه استغرق أربع عشرة دقيقة بطيئة مماثلة لعدد ضحاياه الأربعة عشر، كان ناصر الدامرجي آخر من أُعدم في تونس عام 1990 جراء جرائمه البشعة في حق أطفال مدينته. نال صيتًا ممزوجًا بالرعب والرهبة باسم “سفاح نابل” الذي كتب بأحرف من دماء في تاريخ تونس، وعاد الآن مجددًا إلى الذاكرة بعد صناعة فيلم يرصد سيرته سيئة السمعة وضحاياه في فيلم “سفاح نابل” للمخرج كريم بالرحومة الذي انطلق عرضه في قاعات السينما التونسية ابتداء من 21 ديسمبر.
قصة ناصر هي المصدر لأغلب أحداث فيلم “سفاح نابل” مع حبكة درامية من المؤلف، ومنذ إعلان عن بدء تصوير الفيلم، جذب انتباه الإعلام المحلي وترقبت الأعين إطلاقه في قاعات العرض، وكان شغف المخرج بالسير الذاتية سبب اختياره للبحث عما تخبئه قصة هذا السفاح في طياتها إذ يرى كريم أن القصص الحقيقية لها تأثير إضافي على المُشاهد، فماذا ألهمه لاستعراض هذه القصة السوداوية بالتحديد؟
“لا يولد أي شخص بطبيعة قاتل بل يصبح هكذا مع الأيام” يقول بالرحومة، فبين الحقيقة والدراما لم ينجرف المخرج وراء تصوير وحشية الجرائم ولكن اتجه بجوارحه الدرامية إلى التعمق في البعد النفسي والعقلي للقاتل. إذ نجد محاولات إيجاد نقاط التحول في حياة ناصر الدامرجي ومصدر اشتعال فتيل نزواته القاتلة في طفولته وشبابه. لم يأبه بالرحومة بتجسيد قصة ناصر الدامرجي بكل تفاصيلها إذ آثر تغيير أسماء الشخصيات عدا اسم القاتل مثلًا، بل صب اهتمامه الأكبر في عرض ناصر كإنسان ذو ماضي وحاضر وكيف -كأي إنسان- يمكن لماضيه التأثير في مسار حياته واختياراته.
إلمامًا بالقصة الحقيقية، نشأ ناصر الدامرجي في طفولة مشوهة، إذ ولد لبائعة هوى تسمى حورية ولم يعرف أباه إلا بعد ثلاثين سنة. بدأت جرائمه مع ظهور نزوات فاحشة لطفل يساعده في مزرعته، وقابل ناصر رفض هذا الطفل بالقتل غير المتعمد، مما أيقظ بداخله وحش ضروس يجد لذته في قتل الأطفال خنقًا بعد محاولة إغرائهم بالفحشاء. زادت ضحاياه بعد ذلك إلى 14 ضحية، ولكن أحد أشهرهم هو ابن خطيبته السابقة التي تركت في قلبه غضاضة من الماضي لعدم زواجه بها وطال ابنها لهيب رغبة ناصر في الانتقام مع وقود اشتهائه للقتل.
يقوم بالرحومة بإلقاء الضوء على جوانب معينة من حياة السفاح والتي دفعته لينقُم على المجتمع الذي تسبب في تشويه حالته العقلية والنفسية ليصبح ما آل عليه، فهل تؤثر معرفتنا لتلك العوامل النفسية في نظرتنا له كقاتل دموي؟
الفيلم من بطولة أحمد الأندلسي والهادي الماجري وبلال سلاطنية وميساء ساسي، وشارك في عدة مهرجانات عربية ودولية.