أكّد المحامي رضا الرداوي عن المركز التونسي للبحوث والدراسات حول الإرهاب في مداخلة له بمناسبة ندوةدولية حول “آليات الحماية الفعالة ودور الهياكل المهنية والمنظمات الحقوقية في مكافحة الإفلات من العقاب” أن الإفلات من العقاب في تونس أصبح ممارسة تنتهجها الدولة وخاصة وزارة الداخلية والمؤسسة القضائية. وأوضح الرداوي أن هياكل الدولة تعتمد في سياسة الإفلات من العقاب على مؤسسة الفصل 31 والتي تستند الى نص قانوني وُضع من قبل دولة الاستبداد منذ سنة 1968 بهدف حماية الموظّفين العموميين الذين يستغلون خصائص الوظيف لارتكاب جرائم ضدّ مواطنين وخاصة منها التعذيب في مراكز الأمن والايقاف والسجون. وأفاد بأن الفصل 31 من مجلة الإجراءات الجزائية ينص على إمكانية فتح بحث من قبل النيابة العمومية حتى في حال عدم وجود مجرمين أو أدلة لإثبات الجرائم مشيرا الى أن مثل هذه الأبحاث تُعتبر بحث أوّلي أو بحث على سبيل الاسترشاد مشدّدا الى أنه لا يملك من صفة البحث القانوني أيّ مكوّن من مكوناته وهو مجرّد أعمال يقوم بها حاكم التحقيق في غياب تام لمتهمين أو تحقيق أو تهم وأنه لا يمكن أن يؤسّس عليه أيّ عمل قضائي. واعتبر الأستاذ الرداوي, أنّ أغلب القضايا أو مُجملها تقريبا قضايا رأي عام يتم فيها الاستناد على مؤسسة الفصل 31 اذ تعلن النيابة العمومية عن فتح بحث للإيهام بأنها في طور التحقيق بهدف طمأنة الرأي العام في حال أن فتح بحث بموجب الفصل المذكور عبارة على كمين صُنع لتكريس الاستبداد. وشدّد الرداوي على أن القضايا التي تُفتح فيها بحث استناد للفصل 31 من المجلة الجزائية يكون فيها حاكم التحقيق تحت سيطرة وكيل الجمهورية ولا يمكنه توجيه تهم أو اتحاذ أي اجراء في اطار سلطاته كقاضي تحقيق سواء المتعلقة بتحجير السفر او اصدار بطاقات إيداع بالسجن. وقال الرداوي ان أغلب القضايا التي أعلنت فيها النيابة العمومية فتح بحث بموجب الفصل 31 هي قضايا رُفعت ضدّ أمنيين بتهمة الاعتداء بالعنف أو التعذيب داخل مراكز الأمن أو الوفاة المسترابة سواء بمراكز الإيقاف أو السجون ويتمّ فيها تجريد حاكم التحقيق من سلطاته الحقيقية. كما أوضح أن الفرق بين البحث التحقيقي والبحث بموجب الفصل 31 يكمن في تحديد الجرائم كالاعتداء بالعنف والقتل العمد اذ أن البحث التحقيقي يمكّن حاكم التحقيق من توجيه التهم لمشتبه بهم و الاستماع اليهم مع إمكانية اصدار بطاقات إيداع بالسجن في حقهم في حين أن البحث بالاستناد الى مؤسسة الفصل 31 لا يمكن توجيه تهم لأي شخص ويتم سماع المتهمين كشهود ويمنع فيها حتى حضور المحامين ويمنعون حتى من الاطّلاع على البحث وسير الإجراءات أو تقديم تقارير أو أدلة متعلّقة بالقضية وبالتالي لا يمكن للدفاع أن يطّلع على أي انحراف بالإجراءات وإيجاد أدوات لمواجهته أو القيام بأي اجراءات. واعتبر الأستاذ رضا الرداوي أن الفصل 31 يمنع حق الولوج الى القضاء وأنه وُضع لطمأنة الرأي العام والترويج الإعلامي, سواء دوليا أو محلّيا, للإيهام بأن القضاء بصدد البحث في القضايا وأنه يتتبع مرتكبي هذه الجرائم التي عادة ما تكون جرائم خطيرة وهو ما يؤكد مرّة أخرى أن مؤسسة الفصل 31 هي مؤسسة تشريعية قانونية وضعت لتكريس سياسة الإفلات من العقاب. وحذّر من خطر الاستناد الى الفصل 31 في القضايا الخطيرة والمهمة خاصة أنها تكرّس كذلك لإنشاء علاقة بين وزارة الداخلية وأعوانها مع حاكم التحقيق, اذ يمكّن هذا الفصل أعوان وزارة الداخلية بصفتهم اعوان الضابطة العدلية من الولوج الى القضاء باعتبار ان حاكم التحقيق يستمع اليهم بصفتهم كشهود بمعزل عن مبدأ المواجهة وهو ما يسهّل الإفلات من هذه الجرائم ونبّه من تعرّض بعض القضاة في مؤسسة الفصل 31 الى التوجيهات والتهديدات والنصائح التي تدفع نحو حفظ القضايا مشيرا الى أن معدل الزمن للبحث فيها قد يصل الى 4 سنوات مما يجعلها خارج اهتمام الراي العام والاعلام وتصبح بذلك ملفات متروكة على الرفوف وتُنسى وتُحفظ من قبل النيابة العمومية خارج آجال المحاكمة العادلة وشدّد على أن مؤسسة الفصل 31 هي المؤسسة المستعملة اليوم في تونس من قبل أغلب وكلاء الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس