المرسوم 54 أداة للسيطرة على حرية التعبير

حليمة السويسي -قبل الأولى : نجحت ثورة تونس 2011 في تحرير الألسن وكسرت حاجز الخوف ومكنت التونسيين من حرية التعبير كأبرز مكسب ظل صامدا في غمرة الانتقال الديمقراطي، لكن منذ  25 جويلية 2021 وخاصة بعد إصدار رئيس الجمهورية للمرسوم عدد 54 سيتعين على الجميع التفكير ألف مرة قبل نشر أي معلومة أو خبر.

مرسوم 54 والذي أريد به  في الظاهر محاربة الإشاعات و الأخبار الزائفة الموظفة بغاية الاعتداء على حقوق الغير والإضرار بالأمن العام يعتقد العديد من الصحفيين أنه ضرب لحرية التعبير و تشريع لراقبة وهيمنة السلطة التنفيذية على الإعلام والصحافة لاسيما وأنه سن قبل فترة وجيزة من الانتخابات التشريعية.

نقابة الصحافيين طالبت بالسحب الفوري للمرسوم باعتباره يتعارض مع الدستور الجديد الذي صاغه الرئيس بنفسه والذي ينص في فصله 55 على منع ممارسة الرقابة المسبة على الاعلام والنشر، كما تعتبره تهديدا فعليا لحرية الصحافة والتعبير لأنه يشرع لملاحقة الصحافيين بقوانين جزائية مخالفة لجوهر المرسوم 115 و 116 المنظمين لقطاع الصحافة والإعلام.

 

من جهتها قالت أميرة محمد عضو مكتب تنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في تصريح لجريدة 24/24 إن حرية الصحافة تواجه العديد من التهديدات  خاصة تهديدات القوانين والمراسيم التي تسن بطريقة فجئية وفوقية  وتمثل سيفا مسلطا على الصحافيين و على حرية الإعلام خاصة المرسوم عدد 54 و المرسوم عدد 19 الذي يمنع الوصول للمعلومة و يهدد عمل الصحافيين وحق المواطن في المعلومة عموما .

 

ونددت أميرة محمد بملاحقة الصحافيين قضائيا ومحاكمتهم وفق المجلة الجزائية و مجلة الاتصال والمرافعات العسكرية في قضايا مهنية، مشددة على وجوب محاكمتهم وفق المرسوم 115.

وأضافت محدثتنا أنه “في الكواليس يبدو أن السلطة التنفيذية ترغب في تغيير القوانين المنظمة للمهنة.. نحن لا نرفض الإصلاح لكن نرفض أن يكون الإصلاح بصفة أحادية

ويتم إسقاط قوانين على قطاع الإعلام و بتعلة الإصلاح يتم تركيع الإعلام…مؤسسة التلفزة اليوم أصبحت مؤسسة حكومية 100%  ، المؤسسات العمومية أصبحت حكومية ناطقة بإسم السلطة أما بقية المؤسسات الإعلامية أصبحت تتجنب الحديث في الشأن العام لأنها تخاف من السلطة التنفيذية” وفق قولها.

المخاوف والحديث عن محاولة السلطة السيطرة على الإعلام ليس وليد المرسوم  54 ، فقد بدأ الحديث عنه منذ نشر قيس سعيد لدستوره الجديد والذي أهمل التنصيص على الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري مع بقية الهيئات الدستورية و الذي أصبحت بموجبه السلطة التنفيذية هي الجهة التي تمنح إجازات البثّ والتي تعاقب وسائل الإعلام وهو ما يتعارض مع ما حققته تونس في مجال حرية الإعلام ومع المعايير الدولية التي تتحدث عن سلطة تعديل ذاتي مستقلة.

نوري اللجمي رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في تصريح لجريدة 24/24  أكد وجود قطيعة مع السلطة التنفيذية، قائلا “إن السلطة التنفيذية لا تعير أي اهتمام لهذا القطاع ولا للهيئة المسيرة له فرغم المحاولات هي لا تجيب لا على الاتصالات ولا على المراسلات الرسمية وهي تتخذ  القرارات بصفة أحادية حيث لم يتم تشريك الهيئة لا من قريب ولا من بعيد”.

وشدد اللجمي على ضرورة الإسراع في وضع إطار تشريعي منظم للقطاع قبل الاستحقاق الانتخابي القادم  و العمل على توفير الضمانات اللازمة للصحفيين للعمل بحرية، متسائلا عن مآل وتوجه تنظيم قطاع الصحافة والإعلام في ظل القطيعة بين السلطة والهياكل المنظمة للقطاع. .

اعتبر مصطفى باللطيف عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في تصريح لجريدة 24/24، عدم التنصيص على الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في الدستور الجديد هو تراجع لمكانتها  وأفقدها قيمتها الدستورية.

أما بخصوص المرسوم عدد 54، أوضح باللطيف أن فيه خرق واضح لعدد من أحكام الدستور وأنه تضمن تنصيصا على عدد كبير من الجرائم  وكثير من التعريفات الغير دقيقة مما يجعلها قابلة للعديد من التأويلات، مضيفا أن المرسوم نص على عقوبات إجمالا قاسية تضرب مبدأ التناسب الذي نصت عليه المراسيم  المنظمة لقطاع الصحافة والإعلام 115 و116، و هو ما يمكن أن نعتبره  تراجع في مكاسب الحقوق والحريات، على حد تعبيره.

 

ضرب المرسوم 54 لمبدأ التناسب في العقوبات هو بدوره أحد أبرز النقاط التي انتقدها أيمن الزغدودي أستاذ القانون بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار الزغدودي، موضحا أن المرسوم عدد 54 ضرب مبدأ التناسب والتدرج في العقوبة مثل المنصوص عليه في المرسوم 115 وهو لم يستثني العمل الصحفي من العقوبات القاسية والسالبة للحرية.

كما بيين الزغدودي في تصريح لجريدة 24/24  أن المرسوم مخالف للمعايير الدولية حيث أنه ضاعف العقوبة في حال ما تعلق الأمر بالمساس بالشخصيات العامة في حين أن القوانين الدولية تخفف العقوبة في هذه الحالات.

وأكد الزغدودي أن الفصل التاسعة من المرسوم يمكن مؤمري الضابطة العدلية من الحصول على أي معطى من مزودي الاتصالات وهو ما يشكل خطر على حق الصحافيين في حماية مصادرهم الذي ينص عليه المرسوم 115

وقال محدثنا إنه بعد صدور المرسوم 54 أصبح القانون التونسي أسوء نص قانوني ينظم الجريمة الالكترونية في المنطقة العربية، داعيا إلى الإلتفاف من قبل جميع المتدخلين في القطاع  والمجتمع المدني للضغط على السلطة كي تتراجع عن هذا المرسوم أو استثناء الصحافيين من العقوبات.

واعتبر أستاذ القانون أنه لا يجب إجراء إصلاحات في مجال الاعلام في هذه الفترة الاستثنائية لأنه أي محاولة للإصلاح ستعود بنا إلى الوراء لأن شروط المصادقة على القوانين بصورة ديمقراطية غير متوفرة طالما لا وجود لبرلمان ولا وجود لجزء معين من الاعلام العمومي، مشددا على أن أي مبادرة للإصلاح يجب أن تكون بعد إرساء مجلس نواب الشعب في فيفري 2023.

 

 

 

Related posts

أيام قرطاج السينمائية 2023: درة بوشوشة رئيسة لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة

يعرض في رمضان: مقتدى الصدر يدعو MBC إلى عدم بث مسلسل “معاوية”

ريم حمزة

من بينهم ظافر العابدين: نجوم استعانوا بعائلاتهم لتصوير أعمالهم الفنية في 2022 (فيديو)

ريم حمزة