حاوره خالد الهرماسي
منذ 25 جويلية 2021 انقطعت كل الأنشطة والتحركات الميدانية للاتحاد الشعبي الجمهوري ليغيب رئيس الحزب وكل القيادات عن المشهد السياسي في تونس
أين اختفى الاتحاد الشعبي الجمهوري ورئيسه محمد لطفي المرايحي؟ وهل تؤكدون الأخبار الرائجة عن إقامة محمد لطفي المرايحي خارج الوطن وهل هو اختيار أم اضطرار إقامتكم خارج تونس؟
أولا انا قد غادرت أرض الوطن يوم 25 جويلية 2022 لزيارة أبنائي وأحفادي ولما حدث انقلاب 25 جويلية وأمام ما تبين لي من تأييد شعبي له أدركت أن الأمر سيتطلب حيزا من الزمن حتى يدرك الناس ما وقعوا فيه من شراك الشعوبية. وقدرت أن الأيام والآثار المترتبة عن ممارسة سعيد للسلطة وحدها دون سواها القادرة على إقناع الرأي العام بخطورة ما حدث وما سينجر عنه من تبعات. لذلك اعتبرت أن المسألة تتطلب وقتا ولن يقدر أي كان بالفعل أو بالخطاب اقناع الناس بعكس ذلك. وانصرفت للتأليف وتعلم لغات جديدة وتعزيز الحذق لأخرى. ولكني مع ذلك لم أصرف النظر عن العمل السياسي وواصلت المشاركة في اجتماعات الحزب والاشراف عليها وعلى صياغة المواقف من الأحداث والتنسيق مع القوى التي رفضت الانقلاب منذ اللحظة الأولى. وسأعود الى أرض الوطن بعد أسابيع لمواصلة نشاطي. أما الحزب فإنه حافظ على نشاطه وعبر عن مواقفه في بيانات لم تحظ دائما بالمتابعة الإعلامية. وكغيره من الأحزاب يعاني من الشيطنة الممنهجة للسياسة وللطبقة السياسية إلا أنه صامد ومتماسك في انتظار استعادة الوعي الجماعي.
تقريبًا بدأنا نقترب من مرور سنة على التسونامي السياسي الذي حدث يوم 25 جويلية 2021 حسب عديد المراقبين والملاحظين كيف يرى الدكتور محمد لطفي المرايحي المشهد الوطني بعد هذه المسافة الزمنية وأين تتجه الأمور حسب رأيكم؟
اتضح حجم قيس سعيد الحقيقي وبدا واضحا للعيان أنه أقدم على مغامرة يحركها فقط نهمه للسلطة فلا هو حامل لمشروع حقيقي للبلاد ولا له الحجم الفكري لقيادتها ولا التصورات لإخراجها من أزمتها. وكنت اشرت لذلك أشهر قليلة بعد انتخابه. فالرجل تلك حدوده. لذلك قلت مباشرة بعد الانقلاب أن قيس هو الوحيد القادر على اسقاط سعيد عندما سيكتشف الناس سوء تقديرهم وخياراتهم في الانتخاب. وكانت المؤسسات القائمة من حكومة وبرلمان تحجب النظر الى محدوديته ويتخذ منها ذريعة لتذكية خطابه الشعوبي. أما اليوم وقد زالت جميعها وأصبح الحاكم المطلق وجد نفسه عاجزا واتضحت حقيقته لمن كان يتوهم أن قلة الصلاحيات كانت تعوقه على الإصلاح والمبادرة. فعجز على مقاربة أي ملف وإيجاد تصورات وحلول. ولا هم له إلا مزيد التمكين بينما تتعاظم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. وستعصف به. والرجل ذاهب الى الزوال ولن يعمر طويلا. لكن الخوف كل الخوف من المرحلة التي ستلي سقوطه لأنه نسف كل الأطر القانونية والمؤسسات الدستورية والمكونات الوسيطة التي يمكنها أن تحيط بالمجتمع وتؤطر الشارع.
رئيس الاتحاد الشعبي الجمهوري محمد لطفي المرايحي كان أول من طلب الرئيس قيس سعيد بتفعيل الفصل 80 من الدستور وحتى أنكم طالبتم الجيش التونسي بالتحرك وتولي زمام الأمور هل مازلتم على موقفكم بعد كل الذي حدث في البلاد بعد 25 جويلية؟
لم أطلب أبدا بإقحام الجيش في الحياة العامة مطلقا وأعتقد أنك تنسب لي ما صدر عن السيد محمد عبو. أما في ما يخص الفصل 80 من الدستور ففعلا أنا من طالبته بتفعيله مرارا ولكن لم أطالبه بالانقلاب عليه. وذلك لأن عديد المواضيع كنت أراها خارجة على السيطرة وتهدد الوحدة الوطنية والبناء الديمقراطي ومصير البلاد. كانت هناك قضية الاغتيالات السياسية التي قسمت البلاد وسط اتهامات لحزب سياسي بالضلوع فيها ولم يتم الكشف عن مآلاتها. وأعتقد أن غلقها وإعلان نتائج الأبحاث فيها يساهم في نزع فتيل التوتر ويبني الثقة في الدولة ويقوي الوحدة الوطنية. هناك ملف الأموال المنهوبة من البنوك وخاصة البنك الفرنسي التونسي وكان يجب أن تسترجع. هناك قانون الأحزاب والتمويلات الأجنبية والذي يحتاج لمراجعة لتأصيل الديمقراطية. أضف الإعلام الذي هو في حاجة ماسة لضوابط تفك ارتباطه بالتوظيف السياسي. أما قانون استقلالية البنك المركزي الذي يعيق النمو الاقتصادي فهذا كذلك من أهم العوائق. هذه وغيرها من الأسباب التي دعتني للمطالبة بتفعيل الفصل 80 من الدستور. إلا أن سعيد خرج عن نص الدستور عن قصد وإضمار وانقلب عليه دون أن تكون له رؤية تسند مغامرته.
كيف تقيمون الرزنامة التي وضعها الرئيس قيس سعيد للخروج من الوضع الاستثنائي والتي بدأت بالاستشارة الوطنية الإلكترونية في انتظار الاستفتاء على الدستور الجديد يوم 25 جويلية القادم لتنتهي بانتخابات تشريعية سابقة لأوانها يوم 17 ديسمبر نهاية السنة؟هل رزنامة الرئيس قيس سعيد قابلة للتنفيذ دكتور محمد لطفي المرايحي؟ وما تعليقكم على كلمة الرئيس سعيد ليلة العيد والتي أعلن فيها عزمه على بناء جمهورية جديدة تقطع نهائيا مع الماضي؟
قناعتي أن سعيد لن يدرك هذه الآجال. وهو يعيش على أضغاث أحلام ويتخيل أنه ينظر لمقاربة جديدة مستحدثة للديمقراطية. في حين أن ما يطرحه من تصعيد قاعدي ليس سوى إعادة تقسيم ترابي للدوائر الانتخابية وهو لا يتماشى أصلا مع فلسفة الانتخابات التشريعية. وقبل حلول المواعيد المعلن عنها عليه أن يتخطى أزمة المالية العمومية في ظل احجام الأطراف المانحة على تمويل تونس. وموقفها ليس عفويا وإنما هو نتيجة قرار وتعليمات من الولايات المتحدة قصد لي ذراع سعيد. والآثار الوخيمة التي ينتظر أن تنجر عن هذا الوضع ستعصف بطوباوية سعيد. والشعبية التي كانت تحميه تتآكل اليوم وسينفض الجميع من حوله.
بجرة قلم وإصدار المراسيم الرئيس قيس سعيد حل كل المؤسسات الدستورية وعلى رأسها البرلمان وكل الهيئات المنبثقة عنه وآخرها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كيف تابع الدكتور محمد لطفي المرايحي كل الذي حدث للمؤسسات والهيئات الدستورية؟
كنت من زمان وقبل الانقلاب بكثير قلت إن سعيد يتخيل أن محدودية صلاحياته هي التي تحول دونه ودون التحرك والانجاز. لذلك سعى من خلال جمع السلطات إلى خرق الدستور ومحاولة تنصيب من يضمن ولاءهم. ولكنه عجز. وها هو اليوم مسيطر على جميع مفاصل الدولة بعد أن قوض المنجز القليل لسنوات ما بعد الثورة ومع ذلك فهو عاجز على الإنجاز. المشكل ليس في النصوص بل في ضيق أفق الرجل. ومع الأسف كل ما أقدم عليه من نسف للمؤسسات تم بمباركة شعبية بعد أن تم اقناعها بأن البرلمان سبب تردي الأوضاع. والحال أنه لم تعرقل السلطة التنفيذية ولا دور له في إدارة سياسات الدولة. وإنما علقت بالأذهان مساعي مفضوحة لترذيل البرلمان لم تجد الحزم والجرأة الضرورية لردعها.
(تتابعون بقية هذا الحوار في عدد جريدتنا الورقية 24/24 ليوم غد الثلاثاء)