فنانون يغزون المشهد الإعلامي: ‘ثقافة البوز’ لأجل عيون ‘الشركات التجارية’

زينة البكري (نشر هذا المقال بجريدة 24/24 النسخة الورقية بتاريخ 7 جانفي 2022)


سيطرت البرامج الترفيهية ذات المضامين المضحكة في السنوات الأخيرة على القنوات التلفزيونية التونسية ولا سيما الخاصة، وبرز معها ظهور قوي للمغننين والممثلين الذين باتوا إما يقدمون هذه البرامج أو يقومون فيها بوظيفة الـ ‘كرونيكور’ بهدف خلق البوز وتقديم محتوى مبتذل في كثير من الأحيان.
ولجأت القنوات والبرامج التلفزيونية إلى التعاقد مع ممثلين وفنانين وأشخاص مشهورين على مواقع التواصل الاجتماعي، بغية استغلال رصيدهم من المعجبين واستغلال قدرتهم على لفت أنظار المستشهرين لتحقيق أرباح مالية من جهة ولتحقيق نسب مشاهدة عالية من جهة ثانية.
ثقافة البوز
ونهاية 2021 فتحت قناة قرطاج+ الخاصة أبوابها أمام مغنين وممثلين معروفين لتقديم برامج تلفزيونية ذات طابع ربحي وترفيهي، حيث تقدم الفنانة منال عمارة برنامج ‘جو هبال’، بينما يقدم الممثل لطفي العبدلي برنامج ‘عبدلي بيغ شو’، في حين أعلنت الفنانة الاستعراضية زازا أنها تعاقدت مع القناة لتقديم برنامج تلفزيوني رفقة الممثل خالد هويسة، وتجتمع كل هذه البرنامج في كونها منوعاتية وترفيهية.
وفي قناة التاسعة يقدم الممثل الصادق حلواس برنامجا بعنوان ‘الكل في الكل’ وهو برنامج منوعاتي ترفيهي يشارك فيه مجموعة من الممثلين والفنانين كـ ‘كرونيكور’، ويحرص المنشط وفريقه على اللهث وراء إثارة البوز في كل الحلقات من خلال افتعال المشاكل فيما بينهم والاعتداء على بعضهم البعض لفظيا والتراشق بالكلام في مناسبات عديدة ونفس الشيء ينطبق على برنامج ‘خميس عليك’ الذي يقدمه الممثل المسرحي فيصل الحذيري على قناة تونسنا الخاصة.
برامج مخجلة ومبتذلة
ويرفض الصحفيون هذا التوجه الذي تسير على خطاه كل القنوات التلفزيونية وحتى بعض الإذاعات الخاصة من خلال إقصاء خريجي معهد الصحافة وعلوم الإخبار واللجوء إلى الفنانين والمثلين لتحليل الشأن العام ولتقديم برامج تلفزية وإذاعية، بينما يعاني الآلاف من خريجي المعهد من البطالة والعمل في ظروف مادية واجتماعية صعبة.
تقول الصحفية، حياة بن هلال في تعليقها على انتشار ثقافة البوز وبرامج ‘، إن “الإعلام هو واجهة كل بلد وهو يعكس مجتمع هذه البلاد أو تلك ونحن في تونس صرنا نخجل مما تقدمه بعض وسائل الإعلام الخاصة إن لم نقل جميعها، وقد أصبحت تتنافس عن من يقدم مستوى “منحط” أكثر من الآخر وعلاوة على ذلك يختار أصحاب هذه القنوات أشخاصا لا علاقة لهم بالإعلام لتقديم محتوى أقل ما يقال عنه أنه رديء، وخريجو معهد الصحافة وعلوم الإخبار ذوو التعليم الأكاديمي والأدرى بأخلاقيات المهنة يعانون البطالة ويتقاضون رواتب منخفضة”٠
تضيف ‘اللوم هنا ليس على أشباه إعلاميين يلهثون وراء الإثارة والمادة بل على أصحاب القرار وأولهم ‘الهايكا’ ورئاسة الحكومة وأيضا على نقابة الصحفيين”، مشيرة في ذات السياق إلى أنه ‘آن الأوان لتحرك الصحفيين للحد من هذا الاجتياح المخجل لوسائل الإعلام”، حسب قولها.

ترذيل المشهد الإعلامي
من جهته يعتبر عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، عبد الرؤوف بالي، أن لجوء القنوات التلفزيونية والإذاعات الخاصة إلى الفنانين والممثلين لتقديم البرامج هو تمشي يدخل في إطار مزيد ترذيل المشهد الإعلامي في تونس ونشر الرداءة مقابل الحصول على الإشهار وكسب رضا الشركات الربحية.
وأضاف عبد الرؤوف بالي لـ ’24/24، ‘أن هذا الإشكال لا يمس فقط العمل الصحفي والصحفيين وإنما يطال المشهد الإعلامي ككل لأنه يقوم بتحويل وجهته إلى مزيد من الرداءة وثقافة البوز بعيدا عن دور الإعلام في الإخبار والتثقيف”.
وقال بالي ‘للأسف اليوم أصبح هناك سباق نحو الرداءة ومزيد ترذيل المشهد الإعلامي وحان الوقت لوقف هذا النزيف لأن البرامج الترفيهية هي برامج قائمة الذات ولها ضوابط وشروط وليس”.
يواصل حديثه قائلا: “هؤلاء الفنانين والممثلين الذين اقتحموا فجأة المشهد الإعلامي وسيطروا عليه أصبحوا يتسابقون فيما بينهم للترويج للتفاهة وثقافة البوز وأصبحوا يهاجمون الصحفيون وينتقدونهم ويعتبرون أنفسهم بديلا لهم في قطاع الإعلام خصوصا السمعي البصري”.
كما أكد محدثنا أن الشركات التجارية أصبحت تتحكم في المشهد الإعلامي فأصبحت أولويتهم تحقيق نسب مشاهدة واستماع عالية للحصول على الإشهار وتحقيق الأرباح وهو ما يعني أن القطاع السمعي البصري أصبح يخضع لسيطرة عصابات وسط صمت “الهايكا” وعدة قيامها بدورها الحقيقي في المراقبة وحماية المشهد الإعلامي والدفاع عن صحافة الجودة، وفق قوله.
ودعا عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسي، الهايكا إلى تحمل مسؤوليتها كاملة ومراقبة مدى تطبيق كراسات الشروط من قبل هذه المؤسسات، مؤكدا أن ‘المؤسسات الإعلامية ليست حرة في التصرف وهي مقيدة في النهاية بكراس شروط واضح سواء من حيث الأهداف أو من حيث خط التحرير وكذلك من حيث عدد الصحفيين العاملين بالمؤسسة’.
أي دور للهياكل المهنية؟
من جهته، انتقد الإعلامي والصحفي، مكي هلال، ما وصفه بـ ‘برامج البوز’، داعيا الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ونقابة الصحفيين التونسيين لتنظيم القطاع الإعلامي والتدخل بعد “غزوة الممثلين والفنانين البرامج التلفزية والإذاعية”.

وأوضح مكي هلال أن، برنامج ‘أحنا الكل في الكل ‘ الذي يقدمه الصادق حلواس على قناة التاسعة، يتضمن ’ضحك بلا مبرر وكلام بذيء في سبيل البحث عن البوز والمشاهدات’.
وفي تصريح إعلامي، وصف عضو الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري “الهايكا”، هشام السنوسي، ظاهرة اللجوء لبعض النجوم لتقديم برامج بـ ‘الخطيرة’.
وأضاف السنوسي في تصريح إذاعي إلى أن ‘هذه الظاهرة انتشرت بسبب تدخل الشركات التجارية في البرامج التلفزية والإذاعية عبر الإشهار وأيضا بسبب قدرة الممثلين والمغنين على جلب الإشهار وإقناع المستشهرين، وفق قوله.
وأشار السنوسي إلى أن “الهايكا” لا يمكنها أن تتدخل لمنع مثل هذه البرامج لما فيه من مسّ من استقلالية الخط التحريري للمؤسسات والتدخل في العمل الصحفي، مؤكدا في ذات السياق إلى أن ‘الهايكا’ طرحت إنشاء صندوق الدعم لوسائل الإعلام لدفع أجور الصحفيين المحترفين والحد من هذه الظاهرة، حسب قوله.

Related posts

زغوان: اضطراب توزيع مياه الشرب بداية من اليوم

Na Da

حالة الطقس اليوم الثلاثاء 31 جانفي 2023

سوسة: القبض على 06 أشخاص من اجل السرقة