كتب كاتب الدولة السابق ومدير الأمن الرئاسي في عهد الحبيب بورقيبة تدوينة ردّ فيها على ما جاء في كتاب رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد في خصوص العملية الارهابية التي جدت بمتحف باردو في 18 مارس 2015.
في ما يلي تدوينة رفيق الشلّي:
ردا على ما جاء في كتاب رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد “في حديث الذاكرة” والمتعلق بالعملية الارهابية التي جدت بمتحف باردو في 18 مارس 2015 مبينا ان ” عملية باردو الإرهابية بمثابة الصاعقة التي ضربت قلب العاصمة بسبب تراخي ولامبالاة العمل الأمني في بعض المستويات، ظهر في سوء التنسيق بين الهياكل الأمنية”.
حيث افيدكم من موقعي أن بعض المعطيات التي وردت في هذا الكتاب هي منقوصة ومغلوطة ورغم ما يمليه علي واجب التحفظ والذي سأتمسك به الي حين، الا انني سأشير لبعض النقاط دون تحريف الوقائع وليكن ذلك شهادة للتاريخ حتى نعطي كل ذي حق قحه.
1/ جاء هجوم باردو مباشرة بعد عمليات أمنية نوعية كان اخرها الكشف عن مخابئ كبيرة للأسلحة جنوب البلادعلى الحدود مع ليبيا والقاء القبض على مجموعات تكفيرية وجهادية.
2/ انه اثر الاعلام عن العملية تدخلت قواتنا الخاصة بمكافحة الارهاب التابعة للادارة العامة لوحدات التدخل في ظرف وجيز لايتعدى العشر دقائق مما جعلها تقضي على المهاجمين الارهابيين وتتمكن من اجلاء 92 سائحا مع استشهاد عنصرا من القوات الخاصة “أيمن مرجان رحمه الله.
“3/ حيث جدت العملية في 18 مارس 2015 في حين أن الحكومة الأولى للجمهورية الثانية لازالت في بداية مهامها أي في 5 فيفري 2015 في وضع أمني مضطرب يتسم بتعدد الوقفات الاحتجاجية و المنادية بشعارات ضد المسؤولين في وزارة الداخلية ومنها احتجاج الأعوان المعزولين الذين يرغبون في اعادة ادماجهم بالسلك الأمني رغم ادانتهم من طرف القضاء من اجل جرائم مختلفة وأخرى وبالتوازي من طرف أعوان الضباط المساعدين مؤطرين من بعض النقابات الأمنية والتي تنادي بتحسين وضعهم الاداري على خلفية التسويات التي قام بها وزير الداخلية الأسبق. مع هذا لم ندخر جهدا في إيجاد حلول مستعجلة تكريسا لاستتباب الأمن فهل تناسى ذلك رئيس الحكومة ؟
وهل تناسى سي الحبيب أنه وفي نفس الفترة، مراكز أمنية تحترق بالجنوب وطرق مقطوعة بالعجلات المحترقة ؟هل تناسى سي الحبيب وضع المؤسسة الأمنية التي تشكو آنذاك من تدهور لما تقوم به النقابات الأمنية من ضغوطات على الادارة لأبسط الأسباب تحول دون القيام بالعمل الأمني في ظروف على الأقل عادية مع التهديد بالقيام بإضرابات في صورة عدم الامتثال لطلباتهم المشطة ؟
هل تناسى سي الحبيب النقائص التي تشكوا منها المؤسسة الأمنية من تجهيزات حساسة مع تردي مستوى التكوين وافتقارنا لوسائل التدريب ودون أن أدخل في التفاصيل علما أن سي الحبيب سبق له أن عين وزيرا للداخلية في 2011 وكذلك مستشارا أمنيا في حكومة حمادي الجبالي وهو يعلم جيدا تلك النقائص؟وهل تناسى كذلك سي الحبيب الاختراقات التي وجدناها في المؤسسة الأمنية إثر الانتدابات التي وقعت منذ سنة 2012 الشىء الذي جعلنا نولي الأهمية الكبرى للموضوع وفي بضعة أشهر تم ابعاد أكثر من 120 عون من طرف مجلس الشرف ثبت انتمائهم الى جهات معينة ؟وأن هذا الوضع الأمني الذي وجدناه يستوجب اصلاحات جذرية وعميقة وليست ترقيعية للنهوض بمستوى الأداء الأمني وهذا ما قمنا به كترشيد العمل النقابي لتجنب التجاوزات وكذلك الارتقاء بالتكوين بمختلف اختصاصاته واعادة الانضباط وتوفير التجهيزات الضرورية التي تعتبر من الأولويات للقدرة على مكافحة الارهابيين في المدن وفي الجبال. ويعلم سي الحبيب أنه خصص لذلك ميزانية اضافية لتلافي النقائص ولكن تلك الحلول لم تكن حينية رغم صبغتها الاستعجالية.
حقيقة كنت أنتظر من السيد الحبيب الصيد أنه عوض الحديث عن السلبيات التي كانت و بدون شك لها مبرراتها تراكمت منذ 2012 ولكن أن يتحدث ايضا عن نجاحات الوحدات الأمنية في تلك الفترة بالذات والمتعلقة بالكشف عن العشرات من الخلايا الارهابية سواء منها المتخصصة بشبكات التسفير أو التمويل أو الاستعلام أو الترصد وغيرها والتي كانت متكونة من عناصر تونسية وأجنبية منها حتى اليمنية وكذلك الشأن في اكتشاف العديد من مخازن الأسلحة بالشمال وبالجنوب و تابعتها الصحافة ونشرت للعموم ولا ننسى العملية النوعية للقضاء عن أخطر إرهابي لقمان أبو صخر آمر كتيبة عُقبة بن نافع رفقة مساعديه و المتحصنين منذ نهاية 2012 بجبل الشعانبي من ولاية القصرين.
ويمكن أن نتساءل بالمناسبة عن الأسباب التي جعلت عدم قدرة سي الحبيب الصيد على تنفيذ القرارات التي أقرتها لجنة الأزمة إثر عملية باردو ومن بينها:
– غلق الجوامع والمساجد التي تسيرها أيمة بخطابات تكفيرية متطرفة وتمثل فضاءات لانتداب الشباب و تسفيره لبؤر التوتر أو لليبيا للتكوين الايديولوجي و تدريبه عن استعمال الأسلحة والمتفجرات.- وكذلك الشأن بالنسبة للجمعيات التي تعمل تحت غطاء الأعمال الخيرية والتي تتلقى أموالا طائلة من الخارج تستعملها لاستقطاب الشباب للجهاد.
ورغم ضبط كتابة الدولة للشؤون الأمنية قائمة لعدد 150 جمعية التي يستوجب ايقاف نشاطهم واحالتها على الكتابة العامة للحكومة لحلهم طبق القانون الا أنه لم يقع اتخاذ أي اجراء تحفظي ما عدى حل 10 جمعيات والتي عادت لسالف نشاطها بأسماء متغايرة وسي لحبيب يعلم علم اليقين من كان وراء تلك الحماية.
كما لابد من ذكر نوع من الكتاتيب و”معاهد العلوم الشرعية” التي تنشط بكل حرية دون حسيب أو رقيب حيث استقطبت العديد من الشباب بتأثير من الأفكار المتطرفة ومن بينهم من قام بعمليات ارهابية أذكر منه المحاولة الفاشلة لعملية مقبرة الزعيم بورقيبة بالمنستير علما أن من قام بعملية نزل الإمبريال بسوسة هو خريج جامع بالقيروان أين وقع انتدابه وغادر البلاد خلسة لليبيا لتلقي التدريبات واستعمال الأسلحة والمتفجرات وعاد الى تونس بنفس الطريقة وقام بعملية سوسة.
أما الارهابي الانتحاري حسام العبيدي منفذ عملية حافلة الأمن الرآسي لقد سبق لقوات الحرس الوطني أن عثرت لديه إثر عملية تفتيش لكتب دينية ذات التوجه المتطرف واشتبه في انتمائه الي تنظيم إرهابي وتمت احالته من اجل تلك التهم الا أنه وقع إطلاق سراحه وحفظ التهم في شأنه لانعدام الأدلة.
ورغم هذه التحديات لم يقع العمل بقرارات لجنة الأزمة الا إثر عملية حافلة الأمن الرآسي وذلك خلال اجتماع مجلس الأمن القومي حينها تم تفعيل مقترحاتنا السابقة وباحتشام كبير.
وأذكر منها البعض فقط لواجب التحفظ كغلق المساجد المعروفة بخطابها التكفيري وغسل أدمغة الشباب والتأثير عليه حيث بادر وزير الشؤون الدينية بتفعيل تلك المقترحات حسب الاجراءات القانونية ألا ان حزب فاعل في البلاد عارض بشدة هذا الاجراء وتمكن من الغائه ووضع حد لمهام وزير الشؤون الدينية.
وهكذا فشلت حكومة الصيد من اجتثاث الارهاب من جذوره.لنذكر انه وفي نفس الفترة توافد العائدون من بؤر التوتر بصفة غير شرعية وكان على الحكومة أن تهتم بهذا الموضوع باعتباره لا يتطلب فقط حلا أمنيا بل تنسيقا كاملا بين العديد من الوزارات و منها الشؤون الدينية -التربية – الشؤون الاجتماعية -العدل – الخارجية و الدفاع الوطني الخ…
وأمام عدم وجود هيكل موحد للتنسيق بين كافة المتدخلين أتى قانون مكافحة الارهاب لسنة 2015 بإحداث اللجنة الوطنية لمكافحة الارهاب والتي كان من المفروض أن تلعب دورا فاعلا لمقاومة كل أشكال التطرف وتكريس ثقافة الحوار وتطوير المقاربات بل ومعالجة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية التي تغذي ظاهرة الإرهاب من خلال ضبط خيارات سياسية واقتصادية ناجعة لفائدة الفئات الهشة التي تشكل أرضية خصبة للاستقطاب والتطرف غير أنه لم يقع تفعيل عمل اللجنة كما ينبغي خلال فترة حكومة سي الحبيب الصيد حيث لم يتوفق في التعيين الصائب لمسيريها.
أما بخصوص كتابة الدولة للشؤون الأمنية فاني أذكر سي الحبيب بأنه في نطاق اعادة تنظيم الوزارة والمتعلقة بتسمية كاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالشؤون الأمنية لم تمكنوا كاتب الدولة من السلطات الترتيبة اللازمة لتسيير المصالح الأمنية ولم يقع تسمية مديرا عاما للأمن الوطني وهذه الوضعية جعلت وزير الداخلية يتصرف مباشرة مع رؤساء المصالح الأمنية المختلفة والقيام باجتماعات واسداء التعليمات دون احترام السلم الهيكلي للوزارة الشيء الذي يفرغ خطة كاتب الدولة من محتواها.
وقد سبق لي ان طلبت مقابلتكم بصفة مباشرة لأعلامكم بالوضع ومدكم باقتراحات للإصلاح ألا انكم تماطلتم لتلك المقابلة التي لم تقع في نهاية الأمر. وقد أعددت طلب استقالتي حيث لم أكن راض على دوري بهذا الوضع. ولكن ترددت لتقديمها في انتظار المقابلة لأتجنب احراجكم بهاته الاستقالة التي سيهتم بها الاعلام نظرا لمعرفتي السابقة بكم . وكان علي أن أقدمها.