“خطوط” و”ربوخ” في “دريم سيتي”

قبل يوم من افتتاح دريم سيتي، خير القائمون على المهرجان برمجة عرضين فنيين هما عرض “خطوط” للكوريغراف أندرو غراهام وعرض “ربوخ” لحاتم اللجمي.

وفي قلب فلسفة المهرجان الذي ولد من رحم مدينة تونس وإليها يعود دائما، تجلت تفاصيل “خطوط” قبالة المسرح البلدي بتونس حيث تجمع كل المشاركين من راقصين محترفين ومسرحيين وهواة وأشخاص ذوي إعاقة وأقليات وجدت ملاذا في الرقص.

أجساد مختلفة وألوان مختلفة وأصوات مختلفة التقت جميعا عند عمل فني ينطلق من الرقص فضاء لإدماج الكل دون إقصاء أو تمييز ومساحة للتعبير والرفض والسعي إلى التغيير.

“تونس أنا”، “البدن لقشة من الدنيا”، “في الخيال نمشو هكا”، كلمات رددها الراقصون الذين ساروا على امتداد المساحة الفاصلة بين المسرح البلدي بتونس والملعب البلدي بالحفصية في خطوط تمتد وتتقلص وتتباعد وتتدانى لتروي حكايات عن الحرية والاختلاف والعيش المشترك.

“تونس أنا” تعبير على قلة كلماته مفعم بالمعاني والرسائل التي تفيد بأن تونس تجمع كل أبنائها مهما كانت اختلافاتهم ولا تقصي أيا أحد منها، فيما يحيل تعبير “البدن لقشة من الدنيا” إلى أن كل جسد يشكل جزءا من الحياة التي لا تستوي إذا أقصت جزءا لاختلافه وإلى أن الحياة تستوعب كل الأجساد دون استثناء، ويحتفي تعبير “في الخيال نمشو هكا” بالحرية والحلم والخيال الذي يجعل الحياة أقل قسوة في ظل عدم قبول الآخر والتمييز والإقصاء.

وفي العمل الفني “خطوط” استثمر الكوريغراف أندرو غراهام الرقص لإدماج كل الأجساد وكل الفئات من خلال تشريك الأقليات  وذوي الإعاقة في هذا العمل الفني الذي يقوم على مواءمة كل الطاقات مع اللوحات الكوريغرافية.

أطفال يحملون إعاقات مختلفة لكنها لم تكن حائلا دون نفاذهم إلى الرقص كفن احتواهم فكانوا جزءا من كوريغرافيا تجمع هواة ومحترفين وتخلق سبلا أخرى لدمج الأقليات عبر الفن في عمل يجمع الرقص والموسيقى والشعر والمسرح.

وفي ساحة الحفصية احتفى “ربوخ”  برصيد النوبات الصوفية لنمط “المزود”، في عرض مزج بين الطابعين الاحتفالي والروحي وخلق نقطة التقاء بين الموسيقى الصوفية والموسيقى العصرية.

وعلى إيقاع التماهي بين الأغاني الصوفية والإيقاعات التي تنهل من موسيقات العالم، خلق العرض مشهدية عنوانها الفرحة والاحتفال واستسلمت أجساد الجمهور في ساحة الحفصية إلى  الرقص على نسق الحناجر التي صدحت ب”سيدي علي عزوز” و”سيدي عبد القادر” و”المنوبية” و”سيدي علي بن سالم”، وغيرها من الأغاني التي تنهل من جذور التاريخ الصوفي التونسي.

“ربوخ” عرض يختزل ثراء الموسيقى في تونس وتعدد الأنماط والقوالب ومنها “المزود” الذي اتخذ مكانة في عالم الموسيقى الشعبية التونسية وتجاوز تلك الآلة الموسيقية التي تخلق أصواتا تحاكي الحياة بكل تناقضات ليصبح فضاء قائم الذات يتغنى بالحب والسجن والغربة.

برفقة الآلات الموسيقية الايقاعية، يتعالى صوت المزود ليروي قصصا كثيرة من أزمنة عابرة ويستحضر مشاعر لا تنسى بالتقادم، ليس ذلك فحسب بل يوشح الفضاء بهالة من الصوفية على ايقاع مديح الرسول وصحبه، والأولياء الصالحين في مختلف ربوع البلاد التونسية.

نوب كثيرة تستمد أسماءها من أسماء الصحابة والأولياء الصالحين التي تتغنى بهم، تجلت على الركح وحملت جمهور دريم سيتي في عرض ما قبل الافتتاح إلى زوايا قصية من تونس حيث طقوس وعادات ترسخت في الذاكرة وصارت جزءا من الذكريات التي تقارع النسيان.

إلى جانب التوثيق للنوب المختلفة، خلق “ربوخ” مشهدية راوحت بين العناصر الصوتية والبصرية وحضرت فيه الزغاريد وألسنة البخور لتؤرخ للون موسيقي ضارب في القدم والأصالة وتسهم في ترسيخ جماليته.

 

Related posts

برنامج الدورة 57 لمهرجان قرطاج الدولي

root

بسبب وفاة ابنه غرقا: الممثل المصري حسن يوسف يؤكد اعتزاله التمثيل

فيلم الإثارة والتشويق Twisters في قاعات السينما التونسية