“تحت الأرض”.. العمل الذي يغيّر قواعد الدراما العربية

هناك أعمال تمر مرور الكرام، وأعمال تترك بصمتها للحظات، لكن نادرًا ما نجد عملًا يعيد تشكيل المشهد الدرامي ويؤسس لمرحلة جديدة في الصناعة. “تحت الأرض” ليس مجرد مسلسل رمضاني آخر، بل تجربة فنية تقترب من روح السينما العالمية، حيث تتداخل الصورة مع العمق السردي، ويصبح كل تفصيل جزءًا من بناء درامي متماسك ومثير للجدل.

 

أداء تمثيلي يتجاوز الحرفة إلى التجسيد النفسي

 

ليس سرًّا أن الأداء التمثيلي هو أحد أقوى أسلحة “تحت الأرض”. هنا، لا نشاهد ممثلين يؤدون أدوارهم، بل نرى شخصيات تتنفس أمامنا، تحمل أعباءها النفسية والتاريخية، وتعيش صراعاتها كأنها واقع حقيقي. مكسيم خليل لا يقدّم دورًا، بل يتحول إلى كيان متكامل يحمل طبقات من التوتر والألم والقوة. سامر المصري يقدّم شخصية مزدوجة تتأرجح بين السلطة والضعف، روزينا لاذقاني تفرض حضورها كنموذج للأنوثة القوية والمعقّدة، أما فايز قزق وأحمد الأحمد فيؤكدان أن الأداء العميق لا يحتاج إلى مبالغة، بل إلى فهم دقيق للحالة الإنسانية.

هنا، كل نظرة لها معنى، كل صمت يحمل دلالات، وكل مواجهة مشحونة بتوتر نفسي يجعل المشاهد غير قادر على التنبؤ بما سيحدث. هذه ليست مجرد تمثيل، بل تجسيد حقيقي لمصائر شخصيات تتحرك في عالم معقد ومليء بالمفاجآت.

 

الصورة.. لغة بصرية تتجاوز حدود الدراما التقليدية

 

منذ اللقطة الأولى، يدرك المشاهد أنه أمام عمل مختلف. لا يعتمد “تحت الأرض” على الصورة كأداة مكملة للسرد، بل يجعلها جزءًا أساسيًا من بناء العمل. الكاميرا هنا ليست مجرد شاهد، بل شخصية بحد ذاتها، تقترب حين يشتد التوتر، تبتعد عندما تحتاج الأحداث إلى تأمل، وتتحرك بسلاسة بين زوايا تعكس جماليات المكان وحقيقة الصراع.

الإضاءة المدروسة، الألوان التي تعكس أجواء دمشق في مطلع القرن العشرين، والتفاصيل الدقيقة في الديكورات والملابس، تجعل المشاهد يعيش التجربة لا يشاهدها فقط. إنه عمل يراهن على الإدراك الحسي، حيث تصبح الصورة نافذة إلى عوالم غامضة ومعقدة، تتجاوز إطار الشاشة إلى عمق المشاهد نفسه.

 

سيناريو ذكي يرفض السطحية ويتحدى القوالب النمطية

 

القوة الحقيقية لهذا العمل لا تكمن فقط في جمالياته البصرية أو قوة أدائه، بل في نصه المحكم الذي لا يستسهل الحكاية، بل يعيد تشكيلها بذكاء وحرفية. القصة التي تدور حول صراع كبار التجار في دمشق ليست مجرد دراما تاريخية، بل متاهة نفسية واجتماعية تعكس صراعات أكبر، تمتد من الماضي إلى الحاضر.

لا توجد شخصيات مسطحة أو خير مطلق وشر مطلق، بل أبطال يتصارعون مع ذواتهم ومع الآخرين، تحالفات تتغير، خيانات تنكشف، ونهايات غير متوقعة. “تحت الأرض” لا يمنح المشاهد راحة الحلول السهلة، بل يجعله متورطًا في عالم معقد من الخيارات القاسية، حيث كل قرار يحمل ثمنًا، وكل خطوة قد تؤدي إلى الهاوية.

 

دراما لا تُشاهد بل تُحلّل.. مشروع فني يتجاوز الموسم الرمضاني

 

تحت الأرض ليس مجرد مسلسل للمشاهدة العادية، بل هو مشروع فني يعيد تعريف الدراما العربية، ويؤكد أنها قادرة على المنافسة عالميًا إذا توفرت لها الرؤية الصحيحة. إنه عمل يكسر القوالب، يتحدى التوقعات، ويقدّم دراما نفسية واجتماعية عميقة تجعل المشاهد يعيد النظر في كل ما اعتقد أنه يعرفه عن هذا النوع من الأعمال.

إذا كنت تبحث عن مسلسل تقليدي يمر دون أثر، فهذا العمل ليس لك. أما إذا كنت مستعدًا لخوض تجربة درامية مكثفة، تأخذك إلى أعماق الشخصيات والصراعات، وتجعلك تفكر وتعيد التفكير، فإن “تحت الأرض” هو العمل الذي سيظل في ذاكرتك طويلاً، وربما يصبح نقطة تحول في مستقبل الدراما العربية.

 

ريم حمزة

 

 

Related posts

نجمات كشفن أعمارهن الحقيقية

root

فتح باب الترشح للمشاركة في الدورة 57 لمهرجان الحمامات الدولي

ريم حمزة

يسرا محنوش تطرح أغنية “مابقاش”