شهد ملف المهاجرين غير النظاميين من الدول الافريقية الواقعة جنوب الصحراء في تونس تطورا دراماتيكيا بعد مقتل شاب تونسي في صفاقس ليلة الاثنين الماضي على ايدي مجموعة من الافارقة خلال مواجهات بينهم وبين أهالي صفاقس في عديد الاحياء من المدينة.
وقد اندلعت اشتباكات وصدامات في الليلة الفاصلة بين يومي الأحد والاثنين الماضيين ، بين مهاجرين غير نظاميين وتونسيين مناهضين لتواجدهم في ولاية صفاقس التي أصبحت نقطة رئيسية لتجمّع المهاجرين ومركزا للهجرة نحو أوروبا. وأظهرت صور ومقاطع فيديو متداولة مشاهد فوضى ومناوشات عنيفة وتراشقاً بالحجارة بين سكان أحد أحياء مدينة صفاقس ومهاجرين غير نظاميين من دول الساحل والصحراء، أقدموا على إضرام النار في أحد المنازل وتسبّبت أعمال العنف في تضرّر منازل خاصّة وتهشيم بعض السيّارات وإصابة بعض الأشخاص إصابات متفاوتة، قبل أن تتدخل قوات الأمن للسيطرة على الوضع.
وتشهد ولاية صفاقس تواجدا لافتا للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول الساحل والصحراء، وهو ما أثار قلق المتساكنين، خاصة بعد انتشار أعمال العنف وتزايد معدّلات الجريمة. وأدّى هذا الوضع إلى تصاعد التوّترات وتكرّر الصدامات بين المهاجرين والأهالي، كما أطلق ناشطون حملات على مواقع التواصل الاجتماعي مناهضة لتواجدهم وتطالب بترحيلهم إلى بلدانهم وقد تم تنظيم عديد الوقفات الاحتجاجية لمطالبة السلطات بإيجاد حلول ضد انتشار المهاجرين واستحواذهم على أماكن عامة، رافعين شعارات “لماذا صفاقس” و”صفاقس تستغيث” و”نعيش معا لكن نعيش في سلام”، و”صفاقس ليست منطقة عبور” و”الهجرة غير النظامية خطر على الجمهورية”، مطالبين بترحيلهم أو بفرض التأشيرة على المسافرين القادمين من دول جنوب الصحراء.
تواصل تدفق المهاجرين الافارقة غير النظاميين الى تونس رغم ان الرئيس قيس سعيد، انتقد منذ شهر فيفري الماضي تنامي أعداد المهاجرين غير الشرعيين واعتبر أنّ ذلك يشكلّ تهديدا ديموغرافيا لبلاده مطالبا باتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تدفقهم، ثم تحول الى صفاقس يوم 10 جوان الماضي في زيارة غير معلنة زار خلالها منطقة باب الجبلي بالمدينة العتيقة بصفاقس، حيث اطلع على وضعية عدد من المهاجرين غير النظاميين من جنسيات دول افريقيا جنوب الصحراء، ثم عقد اجتماعا بمقر ولاية صفاقس مع عدد من المسؤولين الجهويين، اكد خلاله أنه لن يقبل بأن يعامل أي مهاجر في تونس معاملة غير إنسانية شرط أن يكون وافدا عليها بطريقة قانونية، معتبرا أن المهاجرين هم ضحايا نظام عالمي لا يتم التعامل معهم كذوات بشرية ولكن كأرقام فحسب وهم ضحايا الفقر والحروب الأهلية وغياب الدولة. ودعا من يطالبون بتطبيق القانون في شمال البحر الأبيض المتوسط إلى المطالبة بتطبيق القانون في جنوبه وإلى احترام القوانين التونسية وسيادتها، مشيرا إلى أن تونس دولة لها قوانينها وتحترم القوانين والذوات البشرية.
وشكك سعيّد في عدد المهاجرين الوافدين على تونس قائلا إن “الإحصائيات المتعلقة بهم مغلوطة بالنظر إلى الأعداد الكبيرة التي تتوجه بصفة خاصة إلى ولاية صفاقس ” ولاحظ أن وضعية هؤلاء المهاجرين غير إنسانية من خلال ما عاينه أثناء زيارته إلى المدينة في المكان الذي ” يفترشون فيه الأرض ويلتحفون السماء .. تحت الشمس والبرد أو المطر ” حسب تعبيره. ودعا إلى معاملتهم معاملة إنسانية و “تقديم دروس في الإنسانية لمن لا إنسانية لهم ” من شبكات اتجار بالبشر والأعضاء، وأضاف إن الدولة التونسية تحمي المهاجرين ولا تسمح بالاعتداء عليهم شرط امتثالهم للقانون التونسي وأن يكونوا في أوضاع قانونية، مؤكدا العزم على رفع التحدي بخصوص مسألة المهاجرين بالإضافة إلى تحديات تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية.
واعتبر أن الدولة التونسية بمؤسساتها وشعبها وثرواتها البشرية الطبيعية الكبيرة قادرة على صناعة التاريخ بالتعويل على إمكانياتها الذاتية لا بالتعويل على أي طرف من الخارج، مشددا على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية و فرض القانون على الجميع. مشيرا إلى ان حل الوضعية المتعلقة بالهجرة “لا يمكن أن يكون إلا إنسانيا وجماعيا وبناء على مقاييس قانونية ” مؤكدا في ذات السياق على أنه” لا يجب أن يكون الحل على حساب الدولة التونسية “.
لاح بالكاشف ان المهاجرين غير النظاميين الافارقة صاروا يمثلون مشكلة كبيرة في بلد تحاصره الازمات الاقتصادية والاجتماعية ويصارع من اجل نيل قروض من المؤسسات المالية الدولية دون شروط مجحفة ستزيد من تعميق ازمته لو تم الاتفاق عليها دون تخفيف تلك الشروط وصار الافارقة ينافسون العاطلين عن العمل من التونسيين في مهن هامشية مثل العمل بالمقاهي والمطاعم وغيرها لجمع المال الكافي لتمويل رحلاتهم البحرية السرية الى السواحل الإيطالية واكثر من ذلك فاضت اعدادهم حتى صاروا يتخذون من وسط المدينة مقرا لهم حيث تنتشر خيامهم العشوائية، كملاذ للنوم والاحتماء من أشعة الشمس في انتظار نجاحهم في الوصول إلى السواحل الإيطالية القريبة.
ان عصابات الاتجار بالبشر تسعى بقوة الى المحافظة على تونس كنقطة عبور نحو إيطاليا والقارة الأوروبية غير مبالية بما يجره عملها الاجرامي ذاك الذي يعاني منه المهاجرون قبل التونسيين وهو ما يفرض التحرك بقوة لوضع حد لموجات التدفقات للمهاجرين وهذا ما وقع مع تحول وفد من كبار المسؤولين الأمنيين الى صفاقس لمعاينة الوضع عن كثب والبحث عن حلول عاجلة تمنع تكرر المواجهات وتوسعها خاصة بعد سقوط ضحية وسعي البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي الى صب الزيت على النار لمزيد توتير الأوضاع .
تتفاقم ازمة المهاجرين في تونس وسط اكتفاء منظمات المجتمع المدني بالتنديد بالعنف المتبادل بين المهاجرين والتونسيين دون تقديم رؤى واضحة يمكن ان تعين الدولة على احتواء الازمة وأيضا وسط حراك أوروبي حثيث نحو تونس عبر تواتر الزيارات والاجتماعات للنظر في ملف الهجرة من تونس واستعماله كورقة ضغط على الدولة باستغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة لفرض شروط لتمويل تونس رفضها الرئيس قيس سعيد وهي لعب دور حارس الحدود الأوروبية كما يشير بعض المتابعين للملف الى ان هناك طلبات لجعل تونس ارض توطين للمهاجرين الافارقة ، وقد تصاعد الجدل داخل التكتل الأوروبي فيما يخص إصلاح نظام الهجرة بعد غرق قارب المهاجرين قبالة اليونان الذي ذهب ضحيته المئات بين موتى ومفقودين لكن دون ان يتحمل الاتحاد الأوروبي مسؤوليته كاملة في قوافل المهاجرين الى أراضيه لان اغلب دول الاتحاد هي من تسبب في ما تعيشه الدول الافريقية من أزمات اقتصادية وسياسية دفعت شبابها الى ركوب الخطر هربا من جحيم معاناتهم في اوطانهم ومازالت تتعامل مع القارة الافريقية كحديقة خلفية لها لا تسعى فيها الى تحقيق مصالحها ولم نر أي تحرك “انساني” من جانب الاتحاد الأوربي مشابه لتحركه في أوكرانيا حيث ضخ لهذه الدولة الأموال والأسلحة واستوعب الفارين منها بكل مودة في المقابل يقابل الشباب المهاجر حتى ممن هم في وضعية قانونية وحاملون لجنسية بلد الإقامة بالرصاص من قريب.
يتعامل الاتحاد الأوروبي مع ملف الهجرة بنفاق كبير حيث يرفض الاستجابة لطلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي والتي بلغت 996 ألف طلب في العام الماضي، وهو أعلى مستوى منذ ستة أعوام، وبالغت عديد الدول الاوربية مثل إيطاليا وبولونيا والمجر والسويد، في تشددها ضد الهجرة غير النظامية لتتعامل معها بطريقة امنية صارمة جدا دون على الأقل ارفاقها بمقاربات اقتصادية من شانها ان تقلل من النزوع الى الهجرة السرية في الدول الافريقية. كما ان دول الاتحاد الأوروبي تنسق في ما بينها لاحتواء الازمة مراعية في ذلك مصالحها فقط عبر الحديث عن إصلاحات لقوانين اللجوء والهجرة لديها لاستبعاد الطلبات الأقل حظا وتسريع عودة طالبي اللجوء المرفوضين إلى بلادهم أو إلى دول العبور واضعين شرطا يريدون من خلاله الايهام بحرصهم على حقوق الانسان وهو تقييم الدول امنيا فيقبلون طلبات الهجرة من الدول التي تشهد توترات ويرفضونها من دول يرون انها آمنة بل هنالك من مازال يدفع الى اعتبار ان دول مثل تونس تشكل ملاذا آمنا للمهاجرين في خبث يستعملون فيه “المدح” لتمرير مشاريعهم المريبة لان تونس وان كانت بلدا آمنا الا انها فيها ما يكفيها من المشاكل الاقتصادية التي تمنعها من استيعاب أمواج المهاجرين وما يؤكد التوجه لخبيث لدول الاتحاد الأوربي هو تعالي صراخهم على ما اعتبروه موقفا عنصريا من الدولة على خلفية ما صرح به رئيس الجمهورية في فيفري الماضي من ان هناك مخططا لتوطين المهاجرين والمطرودين من أوروبا في تونس مقابل “صمتهم” عن فقدان المئات في غرق قارب مهاجرين قبالة سواحل اليونان، دون اجبار أثينا على فتح تحقيق شفاف حول أسباب غرق المركب.
وفي حركة نفاق لا يتقنها الا الأوروبيون يمارسون ضغطا كبيرا على تونس للتوصل الى اتفاق معها يهدف الى مكافحة الهجرة وضبط شبكات المهربين عبر عملية ابتزاز أوروبية لتونس التي تعالى صوتها مطالبة الأوروبيين بعدم الاكتفاء بالمقاربة الأمنية في معالجة ملف الهجرة بل ضرورة تكثيف الاستثمار في تونس وفتح أبواب الهجرة امام اصحاب الشهادات العليا والديبلومات للعمل في القارة العجوز ومنح الدعم المطلوب للدولة للخروج من ازمتها الاقتصادية وتحويل ديونها الى استثمارات.