ترجح الانتقادات الاخيرة التي وجهها رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى مسؤولين في الدولة دون يسميهم التوجه نحو القيام بحركة تغييرات شاملة في عدد من الخطط و المسؤوليات في الايام المقبلة.
و قبيل العيد، التقى رئيس الجمهورية قيس سعيّد برئيسة الحكومة نجلاء بودن للتداول في عدد من الملفات المطروحة، و كان من بينها أداء عدد من المسؤولين في الدولة، حيث أورد بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية توصيفا دقيقا لطبيعة هذه الانتقادات التي وجهها رئيس الجمهورية لهم.
و بحسب البلاغ، فإن الانتقادات قد طالت المسؤولين الذين هم في حالة تردد أو توجس و خوف بخصوص اتخاذ القرارات التي يجب ان يتم اتخاذها، و المسؤولين الذين تم اعتبارهم في خدمة مصالح و اجندات اخرى.
وسبق لرئيس الجمهورية قيس سعيّد أن بادر بمثل هذا الخطاب في مناسبات متكررة، تحدث بشأنها عن حاجة البلاد إلى ما يسميه بـ”تطهير الادارة” معتبرا أن الادارة قد تسلل اليها عدد من المسؤولين الذين هم في خدمة مصالح و شبكات متنفذة و ينبغي بذلك تطهيرها من “الادران” التي علقت بها على حدّ توصيفه.
واصبح هذا التشخيص يرافق رئيس الجمهورية في تحليل مجمل الاحداث التي يتفاعل معها، من ذلك أن حديثه عن عدم التقدم في ملف الصلح الجزائي قد اقترن بحديث عن وجود اطراف تعمل على تعطيله، و في زيارته الى ولاية قفصة توجهت الاتهامات ايضا الى مسؤولين و اداريين وقع اتهامهم بالتلاعب بالانتدابت التي حصلت في شركات البيئة و الغراسات، فضلا على مواضع اخرى علق فيها رئيس الجمهورية على ضعف اداء بعض المسؤولين، ما اوحى بأن بعد كل هذه التحذيرات من المرجح المرور إلى الخطوات العملية.
و المتعارف عليه بخصوص الممارسة السياسية لرئيس الجمهورية قيس سعيّد انه يميل الى اسلوب التصعيد الخطابي و تكثيف الاتصال حول موضوع ما، ثم المرور بعد ذلك إلى اجراءات تخصه، وقد حصل ذلك في ملف تعليق اشغال مجلس النواب السابق قبل حله، و حل المجلس الاعلى للقضاء و تغيير تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات و غيرها من الاجراءات.
نحو تغييرات مرتقبة؟
و على ضوء هذا الخطاب الجديد فمن غير المستبعد أن تحمل الايام المقبلة الجديد بخصوص عدد من التغييرات في خطط ومسؤوليات صلب الدولة تحت عنوان التوجه الى ضخ دماء جديدة للمرور الى تحقيق الاهداف، وقد لا تستثني هذه التغييرات الحكومة التي تقف في الصفوف الأمامية للجهات التي تطالها انتقادات واسعة.
و تذهب العديد من القراءات الى اعتبار حكومة نجلاء بودن حكومة استثنائية تشكلت على قاعدة الامر عدد 117 المؤرخ في 21 سبتمبر 2021 و جاءت للمساعدة على ادارة البلاد في ظرف استثنائي، و ان دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ وقيام أول مؤسساته وهي المؤسسة التشريعية يفرض اجراء تغييرا كليا او جزئيا في تركيبة تلك الحكومة، سيما أن تقييم ادائها يكشف عن مكامن ضعف في عدد القطاعات.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيّد قد أقال في فترات مختلفة كل من وزير التشغيل و التكوين المهني و وزيرة الصناعة دون ان يتم تعويضهما ما يرجح ان يتم سد الشغور في حركة شاملة أو اكثر شمولية قبل موعد 25 جويلية المقبل.
وفي صورة حصول هذه التغييرات التي يتم الحديث بشأنها منذ فترة في الكواليس فلن تتوقف عند حدود وزراء الحكومة، بل من المرتقب ان تشمل ولاة و معتمدين و عمد وعدد من الادارات العمومية وسيكون المحدد فيها تقييما للاداء و جردا للأهداف التي تحققت و الاهداف التي لم تتحقق و الاسباب التي ادت الى ذلك، وفق ما تكشفه بعض المصادر .
و لا تستبعد قراءات اخرى التوجه الى اجراءات قصووية اخرى في مستوى مفهوم “تطهير الادارة” وحدته، قد تشمل اقالة و استبعاد العديد من المسؤولين و الموظفين، الذين يتم اتهامهم بتعطيل السير العادي لدواليب الدولة و عدم انفاذ السياسات المقترحة و الاجراءات و الترتيبات العامة التي يتم اتخاذها من قبل السلطة التنفيذية.
محاذير
واذ تعد كل حركة في اتجاه ضخ دماء جديدة في صلب المسؤوليات و الخطط داخل الدولة عملية محمودة في سياق تحقيق الاهداف المتصلة بمطالب التونسيين و انتظاراتهم، فإنها لا تخلو من مخاطر و محاذير يتعين الانتباه اليها قبل المسارعة باتخاذ القرارات.
وعلى مستوى أوّل تبدو الدولة في حاجة بالاساس الى مشاريع و تصورات و برامج و رؤى قابلة للتنفيذ، و إلى اشخاص قادرين على تنزيل تلك السياسات العمومية على أرض الواقع، ما يعني أن المرور إلى تغييرات كبرى يقتضي اولا تهيئة بوصلة العمل في المستقبل حتى يكون ناجعا و ناجزا.
وفي مستوى ثان، من المهم ايضا الانتباه إلى عدد من المعيقات الهيكلية و الموضوعية التي تحول دون انفاذ عدد من السياسات و القرارات التي يتم اتخاذها، و بالتالي فإن الاكتفاء بتغيير الاشخاص دون القضاء على أصل المشكل من شأنه مفاقمة تلك المشاكل في المستقبل بدلا من حلها.
وفي مستوى ثالث، تؤكد العديد من القراءات على أن الاسلم للبلاد الذهاب في مسارات اصلاح اداري بدلا من الحديث عن “تطهير الادارة” لتحقيق تعاف اداري بأقل كلفة ممكنة.
في المحصلة، لا يمكن تجاهل تركيز رئيس الجمهورية قيس سعيّد على ضعف اداء عدد من المسؤولين في لقاءاته و خطبه الأخيرة، و قد باتت تؤشر على قرب اتخاذ قرار ما في هذا الاتجاه.